95

وكان موت سمينوف قد وقع من نفس يوري موقعا أليما مزعجا رأى معه من اللازم أن يحلله، وإن كان قد أعجزه ذلك، فقال لنفسه محاولا أن يرسم خطا مستقيما قصيرا في ذهنه: «إن الأمر بسيط على كل حال. لم يكن الإنسان موجودا قبل أن يولد وليس في هذا شيء مفزع أو غير مفهوم. والإنسان ينتهي وجوده متى مات. وهذا - كسابقه - بساطة وسهولة إدراك؛ فالموت - وهو الوقوف التام للأداة التي تخلق القوة الحيوية - فهمه ميسور على أتم وجه، وليس فيه ما يفزع الخاطر، ولقد غبر زمن كان فيه غلام اسمه «يورا» ذهب إلى الكلية وضارب زملاءه وكان يتلهى ويروح عن نفسه بأن يقطع رءوس الأشواك ويقضي حياته الخاصة الممتعة على النحو الخاص به. وقد مات «يورا» هذا وذهب في سبيل من خلا، وحل محله رجل آخر يمشي ويفكر هو الطالب «يوري»، ولو أنهما التقيا لما وسع «يورا» أن يفهم «يوري»، ولعله يمقته ويرى فيه أستاذا مربيا يحمله ما لا آخر له من المتاعب. لهذا كان بينهما بون يتعاظم المجتاز. ولهذا أيضا أرى أني أنا قد قضيت نحبي بموت الغلام «يورا» وإن كنت لم أفطن لهذا من قبل. هذا هو واقع الأمر. وإنه لطبيعي بسيط! وماذا يخسر الإنسان بأن يموت؟ إن الحياة على كل حال يرجح فيها الشقاء بالسعادة. نعم إن لها مسراتها وما أقسى أن ينفض المرء يده منها ! ولكن الموت يريحنا من كثير من البلايا والشرور فنحن في نهاية الأمر نستفيد به ونربح من ورائه. ما أبسط هذا وأقل عناصر الفزع فيه! أليس كذلك؟»

قال يوري آخر جملة بصوت عال وتنفس الصعداء غير أنه فزع فجأة فقد طاف برأسه خاطر لداع. «كلا! عالم بأسره، حافل بالحياة، معقد الأمر إلى حد يتجاوز المدارك، هذا العالم يحول فجأة إلى عدم؟ كلا! ليس هذا في شيء من تطور الغلام «يورا» وصيرورته الرجل «يوري» إن هذا سخيف مثير وهو لذلك مفزع غير مفهوم!»

وجاهد يوري بكل ما استطاع من قدرة أن يكون لنفسه فكرة عن هذه الحالة التي لا يرى أحد أن في الطوق احتمالها، والتي يحتملها كل امرئ على الرغم من ذلك كما فعل سمينوف.

وعاد يوري إلى مخاطبة نفسه وهو يبتسم لغرابة الخاطر فقال: «ولم يمت خوفا مع ذلك! كلا! لقد كان يضحك منا جميعا ويهزأ بقسيسنا وتراتيلنا وعبراتنا. ألا كيف وسع سمينوف أن يضحك وهو موقن أنه بعد دقائق لا يكون؟ أتراه كان بطلا؟ كلا! ليست المسألة مسألة بطولة. إذن فالموت ليس من الهول بحيث أتوهم!»

وإنه لكذلك وإذا بإيفانوف يحييه فجأة بصوت مرتفع فسأله يوري وهو يرجف: «آه! هذا أنت! أين تراك ذاهب؟»

فقال إيفانوف بجذل وحشي: «إلى الصلاة على روح صديقنا الفقيد! والخير لك أن تمضي معنا. ما خير أن تظل دائما مستفردا؟»

ولما كان يوري حزينا مهموما فإنه لم يجتنب سانين وإيفانوف كالعادة وقال: «حسن جدا. سأمضي معكما.»

ثم ذكر فجأة بعد المدى بينه وبينهما وأنهما دونه مواهب وملكات فقال لنفسه: «أي جامعة بيني وبين مثل هذين؟ أأشاربهما الفودكا وأروح أهدر مثلهما؟»

وهم أن ينصرف عنهما ولكن إشفاقه من الوحدة بلغ منه مبلغا دفعه إلى البقاء معهما.

ولم ينبث سانين ولا إيفانوف بشيء ووصلوا جميعا في صمت إلى بيت إيفانوف، وكان الظلام قد أرخى سدوله وبدا لهم شبح رجل واقف عند الباب ومعه عصا غليظة معوجة اليد، فقال إيفانوف مغتبطا: «إنه العم بيتر إيليتش.»

Unknown page