151

وكان نوفيكوف جالسا كأنه يحلم وأشعره الحزن والسرور نوعا من السعادة لطيفا كالضوء في السماء مساء.

وقال سانين: «لنذهب إليها. ومهما يكن ما يحدث فإنه سيسرها أن ترى وجه إنسان وسط هذه الوحوش المسيخة المنتقبة. إن بك يا صديقي بعض الغباء ولكن في غبائك شيئا ينقص سواك. تالله ما أغرب أن الدنيا كانت وما تزال تبني آمالها وسعادتها على مثل هذا الغباء! تعال نذهب.»

فابتسم نوفيكوف وقال: «إني على أتم استعداد للذهاب إليها، ولكن أتهتم بأن تراني؟»

فقال سانين ووضع يده على كتفي نوفيكوف: «لا تفكر في هذا. إذا كنت تريد أن تفعل خيرا أو صوابا فافعله ودع المستقبل يعنى بنفسه.»

فقال نوفيكوف بلهجة البت: «حسن فلنذهب.»

ولما صارا في حرم الباب وقف وقال بلهجة التأكيد وعينه محملقة في وجه سانين: «اسمع سأبذل أقصى وسعي لإسعادها. وقد يبدو لك هذا الكلام مبتذلا ولكني لا أعرف كيف أعرب عما في نفسي بما هو خير من هذا.»

فأجابه سانين بلهجة الودود: «لا يكربك هذا يا صديقي، فإني فاهم ما تريد.»

الفصل العشرون

كان الصيف وهاجا. والليل يسجو إذا طلع القمر المنير ويعود الجو مثقلا بشذى الرياض والحقول فتأنس النفوس وتجد الروح والغبطة.

وكان الناس يكدحون نهارهم أو يشتغلون بالسياسة أو بالفنون وبالأكل والشراب والاستحمام والحديث، حتى إذا فتر الحر وخفت وقدته وسكنت الضوضاء، وأخذ قرص القمر يطلع في الأفق ويطل على المروج والحقول ويريق على سطوح المنازل والحدائق ضوءه البارد خلصت أنفاس الناس واستأنفوا الحياة كأنما نفضوا عنهم ثوبا ثقيلا، وصارت الحياة في حيث تكون للشباب الغلبة أوسع وأكثر حرية، فتتجاوب الحدائق بأصوات البلابل وتعمق الظلال وتعود العيون أشد تلماعا والأصوات أعذب رقة ويبيت الجو مشربا أنفاس الحب وطيبه.

Unknown page