231

(استثارت) (1) محاسنه وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى فلم أعرفه. فلما سلمت عليه نظر إلي وتبسم وعرفني وقال : وعليك السلام ، أدن مني ، وكان بين يديه طبق فيه رطب ، وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم يعظمونه ويبجلونه ، فتوقفت لهيبته ، فقال ثانيا : أدن مني وكل فالموافقة من المروءة ، والمنافقة من الزندقة. فتقدمت وجلست ، وأكلت معهم من الرطب ، وصار يناولني الرطب بيده المباركة إلى أن ناولني ست رطبات سوى ما أكلت بيدي. ثم نظر إلي وتبسم وقال لي : ألم تعرفني؟ قلت : كأني ، غير أني ما تحققت ، فقال لي : ألم تحملني في عام كذا وجاوزت بي السيل حين حال السيل بيني وبين ابلي ، فعند ذلك عرفته بالعلامة ، وقلت له : بلى والله يا صبيح الوجه ، فقال لي : أمدد يدك إلي ، فمددت يدي اليمنى إليه فصافحني بيده اليمنى وقال لي : قل أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، فقلت ذلك كما علمني. فسر بذلك وقال لي عند خروجي من عنده : بارك الله في عمرك ، بارك الله في عمرك ، بارك الله في عمرك. فودعته وأنا مستبشر بلقائه وبالاسلام. فاستجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وبارك في عمري بكل دعوة مائة سنة ، وها عمري اليوم نيف وستمائة سنة ازداد عمري بكل دعوة مائة سنة ، وجميع من في هذه الضيعة العظيمة أولاد أولاد أولاد أولادي ، وفتح الله علي وعليهم بكل خير ، وبكل نعمة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم . تم بالخير والحمد لله.

قال الصفدي بعد نقل ذلك : كأني ببعض من يقف على حديث هذا المعمر يداخله شك في طول عمره إلى هذا الحد ، ويراجع في صدقه ، ويتردد فيه ويقول : إن كان ذلك مبلغه من العلم تقليدا لزاعمه. إن التجربة دلت على أن غاية سن النمو ثلاثون سنة ، وغاية سن الوقوف عشر فهذه أربعون. ويجب أن يكون غاية سن النقصان ضعف الأربعين المتقدمة ، فيكون نهاية العمر مائة وعشرين سنة كما زعم الطبيعيون ، وقالوا إنما صار زمان الفساد ضعف زمان الكون أما من السبب المادي فلأن في زمان نقصان البدن تغلب اليبوسة على

Page 246