عشرة مسائل تتعلق بالصلاة الأولى ذنب ترك الصلاة أعظم من القتل والزنا
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ما يقول السادة العلماء الذين وفقهم الله وأرشدهم وهداهم وسددهم في تارك الصلاة عامدا هل يجب قتله أم لا؟ وإذا قتل فهل يقتل كما يقتل المرتد والكافر فلا يغسل ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين أم يقتل حدا مع الحكم بإسلامه وهل تحبط الأعمال وتبطل بترك الصلام أم لا وهل تقبل صلاة النهار الليل وصلاة الليل بالنهار أم لا وهل تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا وإذا صحت هل يأثم بترك الجماعة أم لا وهل يشترط حضور المسجد أم يجوز فعلها في البيت وما حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها وسجودها وما كان مقدار صلاة رسول الله ﷺ وما حقيقة التخفيف الذي نبه عليه بقوله ﷺ: "صل بهم صلاة أخفهم" وما معنى قوله لمعاذ: "أفتان أنت"؟.
والمسؤول سياق صلاته ﷺ من حين كان يكبر إلى ان يفرغ منها سياقا مختصرا كأن السائل يشهده فأرشد الله من دل على سواء السبيل وجمع بين بيان الحكم والدليل وما أخذ الله الميثاق على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ الميثاق على أهل العلم أن يعلموا ويبينوا.
أجاب الشيخ الإمام العلامة بقية السلف ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية ﵁ وأرضاه وجعل جنة الخلد متقلبه ومثواه.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا.
1 / 30
لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من اعظم الذنوب وأكبر الكبائر وأن اثمه ثم الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة ثم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره.
فأفتى سفيان بن سعيد الثوري وأبو عمرو الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وحماد بن زيد ووكيع بن الجراح ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واصحابهم بأنه يقتل ثم اختلفوا في كيفية قتله فقال جمهورهم يقتل بالسيف ضربا في عنقه وقال بعض الشافعية يضرب بالخشب إلى ان يصلي أو يموت وقال ابن سريج ينخس بالسيف حتى يموت لأنه ابلغ في زجره وأرجى لرجوعه.
والجمهور يحتجون بقوله ﷺ: "إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة" وضرب العنق بالسيف أحسن القتلات وأسرعها إزهاقا للنفس وقد سن الله سبحانه في قتل الكفار المرتدين ضرب الأعناق دون النخس بالسيف وإنما شرع في حق الزاني المحصن القتل بالحجارة ليصل الألم إلى جميع بدنه حيث وصلت إليه اللذة بالحرام ولأن تلك القتلة أشنع القتلات والداعي إلى الزنا داع قوي في الطباع فجعلت غلظة في مقابلة قوة الداعي ولأن في تذكيرا لعقوبة الله لقوم الفاء بالرجم بالحجارة على ارتكاب الفاحشة.
"فصل"
وقال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وابو حنيفة وداود بن علي والمزاني يحبس حتى يموت أو يتوب ولا يقتل واحتج لهذا المذهب بما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ قال: " امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" رواه البخاري.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي ﷺ: "لا يحل دم امرىء
1 / 31
مسلم يشهد أن لا إله الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة". أخرجاه في الصحيحين.
قالوا ولأنها من الشرائع العملية فلا يقتل بتركها كالصيام والزكاة والحج قال الموجبون لقتله قال الله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ فأمر بقتلهم حتى يتوبوا من شركهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ومن قال لا يقتل تارك الصلاة يقول متى تاب من شركه سقط عنه القتل وإن لم يقم الصلاة ولا آتى الزكاة وهذا خلاف ظاهر القرآن.
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال بعث علي ابن أبي طالب ﵁ وهو ظاهرا إلى النبي ﷺ بذهيبة فقسمها بين أربعة فقال رجل يا رسول الله اتق الله فقال: "ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله" ثم ولى الرجل فقال خالد ابن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه فقال: "لا لعله أن يكون يصلي" فقال خالد فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله ﷺ: "إني لم أؤمر ان أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم" فجعل النبي ﷺ المانع من قتله كونه يصلي فدل على أن من لم يصل يقتل ولهذا قال في الحديث الآخر نهيت عن قتل المصلين أبو داود رقم والطبراني في الكبير مجمع الزوائد وهو يدل على المصلين لم ينهه الله عن قتلهم.
وروى الإمام أحمد والشافعي في مسنديهما مسند الإمام أحمد ومسند الإمام الشافعي رقم من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلا من الأنصار حدثه أنه اتى النبي ﷺ وهو في مجلس فساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فجهر رسول الله ﷺ فقال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله" فقال الأنصاري: بلى يا رسول الله ولا شهادة له قال: "أليس يشهد أن محمدا رسول الله" قال: بلى ولا شهادة له قال: "أليس يصلي الصلاة" قال: بلى ولا صلاة له قال: "أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم" فدل على أنه لم ينهه عن قتل من لم يصل.
وفي صحيح مسلم رقم عن ام سلمة عن النبي ﷺ قال: "إنه يستعمل عليكم أمراء
1 / 32
فتعرفون وتنكرون فمن انكر فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع" فقالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم فقال: "لا ما صلوا".
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن النبي ﷺ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله". فوجه الاستدلال به من وجهين أحدهما أنه أمر بقتالهم إلى أن يقيموا الصلاة الثاني قوله: "إلا بحقها" والصلاة من أعظم حقها.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قد حرمت علي دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله". رواه الإمام أحمد المسند وابن خزيمة في صحيحه رقم فأخبر ﷺ أنه امر بقتالهم إلى أن يقيموا الصلاة وأن دماءهم وأموالهم إنما تحرم بعد الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فدماؤهم وأموالهم قبل بل هي مباحة.
وعن أنس بن مالك قال لما توفي رسول الله ارتد العرب فقال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل العرب فقال أبو بكر إنما قال رسول الله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة". رواه النسائي وهو حديث صحيح.
وتقييد هذه الأحاديث يبين مقتضى الحديث المطلق الذي احتجوا به على ترك القتل مع أنه حجة عليهم فإنه لم يثبت العصمة للدم والمال إلا بحق الإسلام والصلاة آكد حقوقه على الاطلاق.
وأما حديث ابن مسعود وهو لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث البخاري رقم مسلم رقم فهو حجة لنا في المسألة فإنه جعل منهم "التارك لدينه" والصلاة ركن الدين الأعظم ولا سيما إن قلنا بأنه كافر فقد ترك الدين بالكلية وإن لم يكفر فقد ترك عمود الدين.
قال الإمام أحمد وقد جاء في الحديث لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة
1 / 33
راجع طبقات الحنابلة وقد كان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
قال فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الإسلام على القادر رغبتهم في الصلاة فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقي الله ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك.
وقد جاء الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: "الصلاة عمود الدين" المقاصد الحسنة رقم ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد وكذلك الصلاة من الإسلام.
وجاء في الحديث "إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله" مجمع الزوائد فصلاتنا آخر ديننا وهي أول ما نسأل عنه غدا من اعمالنا يوم القيامة فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام هذا كله كلام أحمد. والصلاة أول فروض الإسلام وهي آخر ما يفقد من الدين فهي أول الإسلام وآخره فإذا ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه وكل شيء ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه. قال الإمام أحمد كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه، فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه والمقصود أن حديث عبد الله بن مسعود: " لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه". من أقوى الحجج في قتل تارك الصلاة.
"فصل"
في اختلاف القائلين بقتل تارك الصلاة واختلف القائلون بقتله في مسائل إحداها: أنه هل يستتاب أم لا فالمشهور أنه يستتاب فإن تاب ترك وإلا قتل هذا قول الشافعي وأحمد
1 / 34
وأحد القولين في مذهب مالك وقال أبو بكر الطرطوشي في تعليقه مذهب مالك أنه يقال له صل ما دام الوقت باقيا فإن فعل ترك وإن امتنع حتى خرج الوقت قتل وهل يستتاب أم لا قال بعض اصحابنا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وقال بعضهم لا يستتاب لأن هذا حد من الحدود يقام عليه فلا تسقطه التوبة كالزاني والسارق وهذا القول يلزم من قال يقتل حدا فإنه إذا كان حده على ترك الصلاة القتل كان كمن حده القتل على الزنا والمحاربة والحدود تجب ولا تسقطها التوبة بعد الرفع إلى الإمام.
وأما من قال يقتل لكفره فلا يلزمه هذا لأنه جعله كالمرتد وإذا أسلم سقط عنه القتل قال الطرطوشي وهكذا حكم الطهارة والغسل من الجنابة والصيام عندنا فإذا قال لا أتوضأ ولا أغتسل من الجنابة ولا أصوم قتل ولم يستتب سواء قال هي فرض علي أو جحد فرضها. قلت: هذا الذي حكاه الطرطوشي عن بعض اصحابه أنه يقتل استتابة هو رواية عن مالك.
وفي استتابه المرتد روايتان عن أحمد وقولان للشافعي ومن فرق بين المرتد وبين تارك الصلاة في الاستتابة فاستتاب المرتد دون تارك الصلاة كإحدى الروايتين عن مالك يقول الظاهر أن المسلم لا يترك دينه إلا لشبهة عرضت له تمنعه البقاء عليه فيستتاب رجاء زوالها والتارك للصلاة مع إقراره بوجوبها عليه لا مانع له فلا يمهل.
قال المستتيبون له: هذا قتل لترك واجب شرعت له الاستتابة فكانت واجبة كقتل الردة قالوا بل الاستتابة هاهنا أول ى لان احتمال رجوعه اقرب لأن التزامه للإسلام يحمله على التوبة مما يخلصه في الدنيا والآخرة وهذا القول هو الصحيح لأن اسوأ أحواله أن يكون كالمرتد وقد اتفق الصحابة على قبول توبة المرتدين ومانعي الزكاة.
وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ وهذا يعم المرتد وغيره والفرق بين قتل هذا حدا وقتل الزاني والمحارب أن قتل تارك
1 / 35
الصلاة إنما هو على إصراره على الترك في المستقبل وعلى الترك في الماضي بخلاف المقتول في الحد فإن سبب قتله على الحد لأنه لم يبق له سبيل إلى تداركها وهذا له سبيل الاستدراك بفعلها بعد خروج وقتها ثم الأئمة الأربعة وغيرهم ومن يقول من أصحاب أحمد لا سبيل له إلى الاستدراك كما هو قول طائفة من السلف يقول القتل ها هنا على ترك فيزول الترك بالفعل فأما الزنا والمحاربة فالقتل فيهما على فعل والفعل الذي مضى لا يزول بالترك.
"فصل" المسألة الثانية: أنه لا يقتل حتى يدعى إلى فعلها فيمتنع فالدعاء إليها لا يستمر ولذلك أذن النبي ﷺ في الصلاة نافلة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت ولم يأمر بقتالهم ولم يأذن في قتلهم لأنهم لم يصروا على الترك فإذا دعي فامتنع لا من عذر حتى يخرج الوقت تحقق تركه وإصراره.
"فصل" المسألة الثالثة: بماذا يقتل هل بترك صلاة أو صلاتين أو ثلاث صلوات هذا فيه خلاف بين الناس فقال سفيان الثوري ومالك وأحمد في إحدى الروايات يقتل بترك صلاة واحدة وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وحجة هذا القول ما تقدم من الاحاديث الدالة على قتل تارك الصلاة. وقد روى معاذ بن جبل أن رسول الله ﷺ قال: "من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله". رواه الإمام أحمد في مسنده. وعن أبي الدرداء قال أوصاني أبو القاسم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة رواه عبد الرحمن ابن أبي حاتم في سننه مجمع الزوائد ووباله ولأنه إذا دعي إلى فعلها في وقتها فقال لا أصلي ولا عذر له فقد ظهر إصراره فتعين إيجاب قتله وإهدار دمه واعتبار التكرار ثلاثا ليس عليه دليل من نص ولا إجماع ولا قول صاحب وليس أولى من اثنتين. وقال إسحاق بن منصور المعروف بالكوسج من أصحاب أحمد إن كانت الصلاة المتروكة تجمع إلى ما بعدها كالظهر والعصر والمغرب والعشاء لم يقتل حتى يخرج وقت الثانية لأن وقتها وقت
"فصل" المسألة الثانية: أنه لا يقتل حتى يدعى إلى فعلها فيمتنع فالدعاء إليها لا يستمر ولذلك أذن النبي ﷺ في الصلاة نافلة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت ولم يأمر بقتالهم ولم يأذن في قتلهم لأنهم لم يصروا على الترك فإذا دعي فامتنع لا من عذر حتى يخرج الوقت تحقق تركه وإصراره.
"فصل" المسألة الثالثة: بماذا يقتل هل بترك صلاة أو صلاتين أو ثلاث صلوات هذا فيه خلاف بين الناس فقال سفيان الثوري ومالك وأحمد في إحدى الروايات يقتل بترك صلاة واحدة وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وحجة هذا القول ما تقدم من الاحاديث الدالة على قتل تارك الصلاة. وقد روى معاذ بن جبل أن رسول الله ﷺ قال: "من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله". رواه الإمام أحمد في مسنده. وعن أبي الدرداء قال أوصاني أبو القاسم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة رواه عبد الرحمن ابن أبي حاتم في سننه مجمع الزوائد ووباله ولأنه إذا دعي إلى فعلها في وقتها فقال لا أصلي ولا عذر له فقد ظهر إصراره فتعين إيجاب قتله وإهدار دمه واعتبار التكرار ثلاثا ليس عليه دليل من نص ولا إجماع ولا قول صاحب وليس أولى من اثنتين. وقال إسحاق بن منصور المعروف بالكوسج من أصحاب أحمد إن كانت الصلاة المتروكة تجمع إلى ما بعدها كالظهر والعصر والمغرب والعشاء لم يقتل حتى يخرج وقت الثانية لأن وقتها وقت
1 / 36
الأولى في حال الجمع فأورث شبهة هاهنا وإن كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالفجر والعصر وعشاء الآخرة قتل بتركها وحدها إذ لا شبهة ها هنا في التأخير وهذا القول حكاه إسحاق عن عبد الله بن المبارك أو عن وكيع بن الجراح الشك من اسحاق في تعيينه. قال أبو البركات بن تيمية: والتسوية أصح وإلحاق التارك ها هنا بأهل الأعذار في الوقت لا يصح كما لم يصح إلحاقه بهم في أصل الترك.
قلت: وقول إسحاق اقوى وافقه لأنه قد ثبت أن هذا الوقت للصلاتين في الجملة فأورث ذلك شبهة في إسقاط القتل ولأن النبي ﷺ منع من قتل الأمراء المؤخرين الصلاة عن وقتها وإنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر وقد يؤخرون العصر إلى آخر وقتها ولما قيل له ألا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا" فدل على أن ما فعلوه صلاة يعصمون بها دماءهم.
"فصل"
وعلى هذا فمتى دعي إلى الصلاة في وقتها فقال لا أصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وإن لم يتضيق وقت الثانية نص عليه الإمام أحمد.
وقال القاضي محمد بن الحسين أبو يعلى وأصحابه كأبي الخطاب محفوظ بن محمد الكلواذاني وابن عقيل لا يقتل حتى يتضايق وقت التي بعدها قال الشيخ أبو البركات ابن تيمية من دعي إلى صلاة في وقتها فقال لا أصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وإن لم يتضيق وقت الثانية نص عليه.
قال وإنما اعتبرنا تضايق وقت الثانية في المثال الذي ذكره يعني أبا الخطاب لأن القتل بتركها دون الأولى لأنه لما دعي إليها كانت فائتة والفوائت لا يقتل تاركها ولفظ أبي الخطاب الذي أشار إليه فإن أخر الصلاة حتى خرج وقتها جاحدا لوجوبها كفر ووجب قتله فإن أخرها تهاونا لا جحودا لوجوبها دعي إلى فعلها فإن لم يفعلها حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله فالتي أخرها تهاونا هي التي أخرها حتى خرج وقتها فدعي إليها بعد خروج وقتها فإذا امتنع من فعلها حتى تضايق وقت الآخرة التي بعدها كان قتله بتأخير الصلاة التي دعي إليها حتى تضايق وقتها.
1 / 37
هذا تقرير ما ذكره الشيخ قال وقال بعض أصحابنا يقتل لترك الأول ي ولترك قضاء كل فائتة إذا أمكنه عذر لأن القضاء عندنا على الفور فعلى هذا لا يعتبر تضايق وقت الثانية قال والأول أصح لأن قضاء الفوائت موسع على التراخي ثم الشافعي وجماعة من العلماء والقتل لا يجب في مختلف في إباحته وحظره.
وعن أحمد رواية أخرى أنه إنما يجب قتله إذا ترك ثلاث صلوات وتضايق وقت الرابعة وهذا اختيار الإصطخري من الشافعية ووجه هذا القول أن الموجب للقتل هو الإصرار على ترك الصلاة والإنسان قد يترك الوقوف لكسل أو ضجر أو شغل يزول قريبا ولا يدوم فلا يسمى بذلك تاركا للصلاة فإذا كرر الترك مع الدعاء إلى الفعل علم أنه إصرار. وعن أحمد رواية ثالثة أنه يجب قتله بترك صلاتين ولهذه الرواية مأخذان: "أحدهما" أن الترك الموجب للقتل هو الترك المتكرر لا مطلق الترك حتى يطلق عليه أنه تارك الصلاة وأقل ما يثبت به الترك المتكرر مرتين.
"المأخذ الثاني" أن الصلاة ما تجمع إحداهن إلى الأخرى فلا يتحقق تركها إلا بخروج وقت الثانية فجعل ترك الوقوف موجبا للقتل.
وأبو إسحاق وافق هذه الرواية في المجموعتين.
"فصل"
وحكم ترك الوضوء والغسل من الجنابة واستقبال القبلة وستر العورة حكم تارك الصلاة وكذلك حكم ترك القيام للقادر عليه هو كترك الصلاة وكذلك ترك الركوع والسجود وإن ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه وهو يعتقد وجوبه فقال ابن عقيل حكمه حكم تارك الصلاة ولا بأس أن نقول بوجوب قتله وقال الشيخ أبو البركات ابن تيمية عليه الإعادة ولا يقتل من أجل ذلك بحال فوجه قول ابن عقيل أنه تارك للصلاة ثم نفسه وفي عقيدته فصار كتارك الزكاة طاعة المجمع عليه ووجه قول أبي البركات ابن تيمية أنه لا يباح الدم بترك المختلف في وجوبه وهذا أقرب إلى مأخذ الفقه وقول ابن عقيل أقرب إلى الأصول
1 / 38
فإن تارك ذلك عازم وجازم على باطلة فهو كما لو ترك مجمعا عليه وللمسألة غور بعيد يتعلق بأصول الإيمان وأنه من أعمال القلوب واعتقادها.
"فصل"
في حكم تارك الجمعة روى مسلم في صحيحه رقم من حديث ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: لقوم يتخلفون عن الجمعة "لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".
وعن أبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا رسول الله ﷺ يقول: على أعواد منبره " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين". رواه مسلم في صحيحه.
وفي السنن كلها أبو داود من حديث أبي الجعد الضمري وله البغوي أن النبي ﷺ قال: "من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه". رواه الإمام أحمد من حديث جابر.
وأخطأ على الشافعي من نسب إليه القول بأن صلاة الجمعة فرض على الكفاية إذا قام بها قوم سقطت عن الباقين فلم يقل الشافعي هذا قط فإنما غلط عليه من نسب ذلك إليه بسبب قوله في صلاة العيد إنها تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة بل هذا نص من الشافعي أن صلاة العيد واجبة على الأعيان.
وهذا هو الصحيح في الدليل فإن صلاة العيد من اعاظم شعائر الإسلام الظاهرة ولم يكن يتخلف عنها أحد من أصحاب رسول الله ﷺ ولا تركها رسول الله ﷺ مرة واحدة ولو كانت سنة لتركها ولو مرة واحدة كما ترك قيام رمضان بيانا لعدم وجوبه وترك الوضوء لكل صلاة بيانا لعدم وجوبه وغير ذلك.
وأيضا فإنه ﷾ أمر بالعيد كما أمر بالجمعة فقال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ سورة الكوثر الآية فأمر النبي ﷺ الصحابة أن يغدوا إلى مصلاهم لصلاة العيد معه إن فات وقتها وثبت الشهر بعد الزوال أبو داود رقم وأمر النبي ﷺ العواتق١ وذوات الخدور وذوات الحيض أن يخرجن إلى العبد وتعتزل الحيض المصلي البخاري رقم مسلم رقم ولم يأمر بذلك في الجمعة قال شيخنا ابن تيمية فهذا يدل على ان العيد آكد من الجمعة
_________
١ جمع عائق وهي البكر التي بلغت سن الزواج ولم تتزوج.
1 / 39
وقوله ﷺ: "خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة". لا ينفي صلاة العيد فإن الصلوات الخمس وظيفة اليوم والليلة وأما العيد فوظيفة العام ولذلك لم يمنع ذلك من وجوب ركعتي الطواف ثم كثير من الفقهاء لأنها ليست من وظائف اليوم والليلة المتكررة ولم يمنع وجوب صلاة الجنازة ولم يمنع من وجوب سجود التلاوة ثم من أوجبه وجعله صلاة ولم يمنع من وجوب صلاة الكسوف ثم من أوجبها من السلف وهو قول قوي جدا.
والمقصود أن الشافعي ﵀ نص على أن من وجبت عليه الجمعة وجب عليه العيد ولكن قد يقال إن هذا لا يستفاد منه وجوبه على الأعيان فإن فرض الكفاية يجب على الجميع لبعض بفعل البعض وفائدة ذلك تظهر في مسألتين إحداهما أنه لو اشترك الجميع في فعله أثيبوا ثواب من أدى الواجب لتعلق الوجوب الثانية لو اشتركوا في تركه استحق الجميع الذم والعقاب فلا يلزم من قوله تجب صلاة العيد على من تجب عليه صلاة الجمعة أن تكون واجبة على الأعيان كالجمعة فهذا يمكن أن يقال ولكن ظاهر تشيبه العيد بالجمعة والتسوية بين من تجب عليه الجمعة ومن يجب عليه العيد يدل على استوائهما في الوجوب ولا يختلف قوم أن الجمعة واجبة على الأعيان فكذا العيد.
والمقصود بيان حكم تارك الجمعة قال أبو عبد الله ابن حامد ومن جحد وجوب الجمعة كفر فإن صلاها أربعا مع اعتقاد وجوبها قال فإن قلنا هي ظهر مقصورة لم يكفر وإلا كفر حكم تارك الصوم والحج والزكاة وهل يلحق تارك الصوم والحج والزكاه بتارك الصلاة في وجوب قتله فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد:
إحداها: يقتل بترك ذلك كله كما يقتل بترك الصلاة وحجة هذه الرواية أن الزكاة والصيام والحج من مباني الإسلام فيقتل بتركها جميعا كالصلاة ولهذا قاتل الصديق مانعي الزكاة وقال: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة إنها لقرينتها في كتاب الله".
وأيضا فإن هذه المباني من حقوق الإسلام والنبي ﷺ لم يأمر برفع القتال إلا عمن التزم كلمة الشهادة وحقها وأخبر أن عصمة الدم لا تثبت إلا بحق
1 / 40
الإسلام فهذا قتال للفئة الممتنعة والقتل للواحد المقدوم عيله إنما هو لتركه حقوق الكلمة وشرائع الإسلام وهذا أصح الأقوال.
والرواية الثانية: لا يقتل الصلاة بترك غير الصلاة، لأن الصلاة عبادة بدنية لا تدخلها النيابة بحال، والحج والصوم والزكاة تدخلها النيابة.
ولقول عبد الله بن شقيق كان أصحاب محمد ﷺ شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة الترمذي رقم ولأن الصلاة قد اختصت من سائر الأعمال بخصائص ليست لغيرها فهي أول ما فرض الله من الإسلام ولهذا امر النبي ﷺ نوابه ورسله ان يبدؤوا بالدعوة إليها بعد الشهادتين.
فقال لمعاذ: "ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة". ولأنها أول ما يحاسب عليها العبد من عمله ولأن الله فرضها في السماء ليلة المعراج ولأنها أكثر الفروض ذكرا في القرآن ولأن أهل النار لما يسألون ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ سورة المدثر الآية لم يبدؤوا ترك الصلاة ولأن فرضها لا يسقط عن العبد بحال دون حال ما دام عقله معه بخلاف سائر الفروض فإنها تجب في حال دون حال ولأنها عمود فسطاط الإسلام وإذا سقط الفسطاط وقع الفسطاط ولأنها آخر ما يفقد من الدين ولأنها فرض على الحر والعبد والذكر والأنثى والحاضر والمسافر والصحيح والمريض والغني والفقير ولم يكن رسول الله ﷺ يقبل من إجابة إلى الإسلام إلا بالتزام الصلاة كما قال قتادة عن يروي لم يكن رسول الله ﷺ يقبل من اجابه إلى الإسلام إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولأن قبول سائر الأعمال موقوف على فعلها فلا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا ولا صدقة ولا جهادا ولا شيئا من الأعمال كما قال عون بن عبد الله إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد ويدل على هذا الحديث الذي في المسند والسنن من رواية أبي هريرة عن النبي ﷺ: "أول ما يحاسب به العبد من عمله يحاسب بصلاته فإن صلحت فقد
1 / 41
أفلح وأنجح وأن فسدت فقط فقد خاب وخسر". ولو قبل منه شيء من أعمال البر لم يكن من الخائبين الخاسرين.
الرواية الثالثة: يقتل بترك الزكاة والصيام ولا يقتل بترك الحج لأنه مختلف فيه هل هو على الفور أو على التراخي فمن قال هو على التراخي قال كيف يقتل بأمر موسع له في تأخيره.
وهذا المأخذ ضعيف جدا لأن من يقتله بتركه لا يقتله بمجرد التأخير وإنما صورة المسألة أن يعزم على ترك الحج ويقول هو واجب علي ولا أحج أبدا فهذا موضوع النزاع والصواب القول بقتله لأن الحج من حقوق الإسلام والعصمة تثبت لمن تكلم بالإسلام إلا بحقه والحج أعظم حقوقه.
"فصل"
وأما المسألة الثالثة: وهو انه هل يقتل حدا كما يقتل المحارب والزاني أم يقتل كما يقتل المرتد والزنديق هذا فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد.
إحداهما: يقتل كما يقتل المرتد وهذا قول سعيد بن جبير وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وأبي عمرو الأوزاعي وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وعبد الملك بن حبيب من المالكية وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وحكاه الطحاوي عن الشافعي نفسه وحكاه أبو محمد ابن حزم عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة.
والثانية: يقتل حدا لا كفرا وهو قول مالك والشافعي واختار أبو عبد الله ابن بطة هذه الرواية ونحن نذكر حجج صليت أدلة الذين لا يكفرون تارك الصلاة قال الذين لا يكفرونه بتركها قد ثبت له حكم الإسلام بالدخول فيه فلا نخرجه عنه إلا بيقين.
قالوا وقد روى عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ أنه قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". أخرجاه في الصحيحين.
1 / 42
وعن أنس أن النبي ﷺ قال ومعاذ رديفة على الرحل: "يا معاذ" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار" قال: يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا قال: "إذا يتكلوا" فأخبر بها معاذ ثم موته تأثما متفق على صحته.
وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "أسعد الناس بشفاعتي من قال لاإله إلا الله خالصا من قلبه". رواه البخاري.
وعن أبي ذر أن النبي ﷺ قام بآية من القرآن يرددها حتى صلاة الغداة وقال: "دعوت لامتي وأجبت بالذي لو يتحقق عليه كثير منهم تركوا الصلاة" فقال أبو ذر أفلا أبشر الناس قال: "بلى" فانطلق فقال عمر: إنك إن تبعث إلى الناس بهذا ينكلوا١ عن العبادة فناداه أن ارجع فرجع والآية: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ رواه الإمام أحمد في مسنده.
وفي المسند أيضا من حديث عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: "الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يعبأ الله به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفره الله فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله قال الله ﷿: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾ وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم تركه أو صلاة تركها فإن الله ﷿: يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة".
وفي المسند أيضا وعن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن كان له ثم الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له ثم الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". وفي المسند أيضا من حديث أبي هريرة قال رسول الله ﷺ: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك". رواه أهل السنن.
_________
١ بضم الكاف: الامتناع.
1 / 43
وقال الترمذي هذا حديث حسن قالوا وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة". وفي لفظ آخر: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".
وفي صحيح قصة عتبان بن مالك وفيها: "إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله".
وفي حديث الشفاعة يقول الله ﷿: "وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله". وفيه مجمع الزوائد: "فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط"، وفي السنن والمسانيد قصة صاحب البطاقة الذي ينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ثم تخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله فترجح سيئاته ولم يذكر في الشهادة ولو كان فيها غيرها لقال ثم تخرج له صحائف حسناته فترجح سيئاته ويكفينا في هذا قوله فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ولو كان كافرا لكان مخلدا في النار غير خارج منها.
فهذه الأحاديث وغيرها تمنع من التكفير والتخليد وتوجب من الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر قالوا ولأن الكفر جحود التوحيد وإنكار الرسالة والمعاد وجحد ما جاء به الرسول وهذا يقر بالوحدانية شاهدا أن محمدا رسول الله مؤمنا بأن الله يبعث من في القبور فكيف يحكم بكفره والإيمان هو التصديق وضده التكذيب لا ترك العمل فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد.
قال المكفرون: الذين رويت عنهم هذه الأحاديث التي استدللتم بها على عدم تكفير تارك الصلاة هم الذين حفظ عنهم الصحابة تكفير تارك الصلاة بأعيانهم قال أبو محمد ابن حزم:
وقد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ﵃ أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد قالوا ولا نعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة وقد دل على كفر تارك الصلاة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فصل في الاستدلال بالكتاب أما الكتاب فالدليل الأول قال الله تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
1 / 44
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ إلى قوله: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ فوجه الدلالة من الآية أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته ولا بحكمه ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين فقال: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ وأنهم يدعون إلى السجود لربهم ﵎ فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كصياصي "أي قرون"، البقر ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين.
الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ فلا يخلو إما أن يكون كل واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين أو مجموعها فإن كان كل واحد منها مستقلا بذلك فالدلالة ظاهرة وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم وإلا فكل واحد منها مقتض للعقوبة إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له إلى ما هو مستقل بها.
ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر معه ليس شرطا على التكذيب بيوم الدين بل هو وحده كاف فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك إذ لا يمكن لقائل أن يقول لا يعذب إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة فإذا كان كل واحد منها موجبا للإجرام وقد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر وقد قال: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.
1 / 45
الدليل الثالث: قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فوجه الدلالة أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها.
الدليل الرابع قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ وقد اختلف السلف في معنى السهو عنها، فقال سعد بن أبي وقاص ومسروق ابن الأجدع وغيرهما هو تركها حتى يخرج وقتها، روى في ذلك حديث مرفوع قال محمد بن نصر المروذي حدثنا سفيان بن أبي شيبة حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثنا عبد الملك بن عمير بم مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأل النبي ﷺ عن الذين هم عن الصلاة ساهون، قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها".
وقال حماد بن زيد حدثنا عاصم عن مصعب بن سعد قال قلت: لأبي يا ابتا أرأيت قول الله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ أينا لا يسهو أينا لا يحدث نفسه قال إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت سنن البيهقي وقال حيوة بن شريح أخبرني أبو صخر أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قال هو تاركها ثم سأله عن الماعون قال: منع المال عن حقه.
إذا عرف هذا فالوعيد بالويل اطرد في القرآن للكفار كقوله: وويل للمشركين: ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ وقوله: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ وقوله: ﴿وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ إلا في موضعين وهما ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ و﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز وهذا لا يكفر به بمجرده فويل تارك الصلاة إما ان يكون ملحقا بويل الكفار أو بويل الفساق فإلحاقه بويل الكفار أولى لوجهين:
أحدهما: أنه قد صح عن سعد ابن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال لو تركوها لكانوا كفارا ولكن ضيعوا وقتها.
الثاني: ما سنذكر من الأدلة على كفره يوضحه:
1 / 46
الدليل الخامس: وهو قوله سبحانه: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ .
قال شعبة بن الحجاج حدثنا أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله هو ابن مسعود في هذه الآية قال هو نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر قال محمد بن نصر حدثنا عبد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا محمد بن زياد بن زبار حدثني شرقي بن القطامي قال حدثني لقمان بن عامر الخزاعي قال جئت أبا أمامه الباهلي فقلت: حدثني حديثا سمعته من رسول الله ﷺ فقال سمعت من رسول الله ﷺ يقول: "لو أن صخرة قذف بها من شفير ١ جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا ثم تنتهي إلى غي وأثام" قلت: وما غي وأثام قال: "بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل جهنم فهذا الذي ذكره الله في كتابه" ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ وأثاما قال محمد بن نصر حدثنا الحسن بن عيسى حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا هشيم بن بشير قال أخبرني زكريا ابن أبي مريم الخزاعي قال سمعت أبا أمامة الباهلي يقول إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة خمسين خريفا من حجر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشراوات عظام سمان٢ فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد هل تحت ذلك من شيء يا أبا أمامة قال نعم غي وأثام وقال أيوب بن بشير عن شفي بن ماتع قال إن في جهنم واديا يسمى غيا يسيل دما وقيحا فهو لمن خلق له قال تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ .
فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات ولو كان مع عصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو أسفلها فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام بل من أمكنه الكفار ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ فلو كان مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان وأنه يكون تحصيلا للحاصل.
_________
١ حرفها.
٢ أي حجم الصخرة كحجم عشرة نوق حوامل سمان.
1 / 47
الدليل السادس: قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ الروضات الزكواة فإخوانكم في الدين سورة التوبة الآية فعلق إخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة المؤمنين فلا يكونوا مؤمنين لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ .
الدليل السابع: قوله تعالى: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ فلما كان الإسلام تصديق الخبر والانقياد للأمر جعل سبحانه له ضدين عدم التصديق وعدم الصلاة وقابل التصديق بالتكذيب والصلاة بالتولي فقال: ﴿وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ فكما أن المكذب كافر فالمتولي عن الصلاة يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة.
قال سعيد عن قتادة ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى﴾ لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله ولكن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ .
الدليل الثامن: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ .
قال ابن جريج: سمعت عطاء ابن أبي رباح يقول هي الصلاة المكتوبة الدر المنثور ووجه الاستدلال بالآية إن الله حكم بالخسران المطلق لمن الهاه ماله وولده عن الصلاة والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه فآخر أمره إلى الربح يوضحه أنه ﷾ اكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد:
أحدهما: إتيانه بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث.
الثاني: تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم فإنك إذا قلت: زيد العالم الصالح أفاد ذلك إثبات كمال ذلك له بخلاف قولك عالم صالح.
الثالث: إتيانه سبحانه بالمبتدأ والخبر معرفتين وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ ونظائره.
الرابع: إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر وهو يفيد مع الفصل فائدتين اخريين قوة الاسناد واختصاص المسند إليه بالمسند كقوله: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ
1 / 48
الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ سورة الحج الآية وقوله: ﴿وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، وقوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ونظائر ذلك الدليل.
التاسع: قوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه نفى الإيمان عمن إذا ذكروا بآيات الله لم يخروا سجدا مسبحين بحمد ربهم ومن أعظم التذكير بآيات الله التذكير بآيات الصلاة فمن ذكر بها ولم يتذكر ولم يصل ولم يؤمن بها لأنه سبحانه خص المؤمنين بها بأنهم أهل السجود وهذا من أحسن الاستدلال واقربه فلم يؤمن بقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ إلا من التزم إقامتها.
الدليل العاشر: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ذكر هذا بعد قوله: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ ثم توعدهم على ترك الركوع وهو الصلاة إذا دعوا إليها ولا يقال إنما توعدهم على التكذيب فإنه ﷾ إنما أخبر عن تركهم لها وعليه وقع الوعيد.
على أنا نقول لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها اصلا فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلية خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب وهو مع ذلك مصر على تركها هذا من المستحيل قطعا فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا فإن الايمان يأمر صاحبه بها فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان.
ولا تصغى إلى كلام من ليس له خبره ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل.
وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم وهذا من لأوامره المحال ان يقوم بقلب العبد إيمان جازم
1 / 49