Sahyuniyya Calamiyya
الصهيونية العالمية
Genres
من الحكمة ألا يستصغر المرء قوة عدوه.
ومثله في الحكمة ألا يستعظم قوة عدوه وألا يبالغ في استعظامها من باب أولى؛ لأنه إذا استعظمها ضيع في الحذر منها جهودا يضره أن تضيع، وينتفع العدو بضياعها عليه.
والصهيونية العالمية قوة كبيرة، تملك وسائلها التي تؤذي بها خصومها وتنفع أعوانها وأذنابها، ولكننا نعدو بها طورها ونجاوز بها حدها إذا قلنا مع القائلين إنها تخلق الثورات وتدبر الانقلابات وتثل العروش وتهدم المماليك، فإنها لأهون شأنا من ذلك كما قدمنا في بعض الفصول الماضية، وإنما شأنها أن تنتفع بالأسرار التي تعلمها وتغتنم الفرصة في حينها.
والحق أن الصهيونية العالمية أضعف مما ينبغي لمثلها، وأنها كانت خليقة أن تفعل أضعاف ما فعلته لخدمة مآربها وإنجاح دسائسها، بالقياس إلى قدم عهدها وانتشار طوابيرها الخامسة في أجزاء المعمورة، مع غفلة الغافلين عنها وتواطؤ أعداء الإسلام على مساعدتها، ولكنها تفقد الشيء الكثير بحماقتها واندفاعها مع هوس العصبية الطائفية، فإن الصهيونيين - ولا ننسى وصف القرآن الكريم لهم - قوم لا يعقلون.
ومن المعلوم أن التنظيم والاتفاق في الغرض يجعلان العشرة أقوى من المائة ويجعلان المائة أقوى من الآلاف.
والصهيونية العالمية قوة منظمة في الولايات المتحدة، ويسمي الساخرون مدينة نيويورك من أجل ذلك بمدينة «جيويورك»
Jew York
أي «مدينة اليهود»؛ لأنهم يزيدون فيها على المليون ويتعاونون قصدا وعلى غير قصد في ترويج مصالحهم والنكاية بأعدائهم ... ويتصلون بمثل الشبكة المحكمة بالملايين الثلاثة الأخرى الموزعين في أنحاء البلاد الأمريكية، ولكنهم - على كثرة العدد واتفاق الغرض - لم يبلغ من نفوذهم أن يصنعوا ما صنعته جماعة منع المسكرات في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ولم يكن أعضاء هذه الجماعة يزيدون على بضعة آلاف يؤيدهم أناس من رجال الدين. وكانوا يفرضون على الشعب قانونا لا يريده، ويحاربون مصالح المعامل التي تصنع الخمور والشركات التي تبيعها، ويعرضون تعديلا للدستور هو التعديل الذي اشتهر باسم التعديل الثاني عشر، وتسنى لهم بفضل التنظيم والمثابرة على غرض واحد أن يعدلوا الدستور، وأن يصدروا قانون تحريم المسكرات من مجلس الشيوخ، ثم من مجلس النواب، وأن يتغلبوا على الرئيس ويلسون الذي رفض القانون بحق النقض، فأعادوه إليه وعبئوا الرأي العام في وجهه، فأمضاه مضطرا حسب نصوص الدستور.
هذه الجماعة «جماعة منع المسكرات» لا تذكر إلى جانب الصهيونية العالمية التي تستعين بكثرة العدد وقوة المال وتغلغل الأعوان والأذناب في كل مكان، وقد كانت الصهيونية نفسها تقاوم هذا القانون في الولايات المتحدة فانهزمت مع المنهزمين أمام «جماعة منع المسكرات».
ومما لا نشك فيه أن جماعة منظمة تكافح الصهيونية العالمية في الولايات المتحدة تستطيع أن تقهرها وتمحو أثرها ولو لم تبلغ مليونا واحدا يحاربون خمسة ملايين؛ لأن الحقيقة المفهومة أن الصهيونية بغيضة جدا إلى جمهرة الأمريكيين، وأنهم صبروا عليها طويلا، واستعدت نفوسهم للتمرد على سلطانها الخبيث، لو وجدت الجماعة التي تتولى تنظيم المكافحة وتحصرها في غرض واحد لا تتشعب عليه المطالب والجهود.
Unknown page