- أ - مقدمة الشارح بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل على عبده الكتاب ليكون للعالمين نذيرا. والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله، الذي أرسله الله تعالى رحمة للناس، وآتاه الحكمة وجوامع الكلم، وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد فإن السنة هي المصدر التشريعي الثاني - من المصادر المتفق عليها لدى المسلمين - بعد كتاب الله ﷿، فهي أصل من أصول الدين، ومنها خصيب للتشريع، ودليل أساسي من أدلة الأحكام، تعرفنا حكم الله ﷾ في كل كبير وصغير، فهي جامعة مانعة، عامة شاملة، لا تفوتها شاردة ولا واردة إلا وقد أعطتها حكما شرعيا، فيها بيان لما كان وما سيكون، وفيها تنظيم عملي رائع لشؤون الحياة، مستوحى عن الله تعالى خالق الحياة ومن يحيا، ومرتبط بمالك الملك والملكوت، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. فقلما تحدث حادثة أو تنزل نازلة إلا ونجد في السنة المطهرة الحكم الشافي والبيان الوافي لها. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هو المبلغ عن ربه: ﴿يا أيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ /المائدة: ٦٧/. وهو المبين مراد الله ﷿ فيما أنزل: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم﴾ /النحل: ٤٤/. فالسنة المطهرة تأكيد لما بين كتاب الله من أحكام، وتفصيل لما أجمل، وتقييد لما أطلق، وتخصيص لما هو عام، أو تشريع لما سكت عنه القرآن، ولكنه تطبيق لقواعده العامة، وأصوله المقررة، ومستمد منه.

المقدمة / 1

- ب - ورسول الله ﷺ هو المظهر العملي لشريعة الله تعالى، فهو المكلف الأول: ﴿وأنا أول المسلمين﴾ /الأنعام: ١٦٣/. ﴿وأنا أول المؤمنين﴾ /الأعراف: ١٤٣/. وهو القدوة الصالحة: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة﴾ /الأحزاب: ٢١/. وهو الذي يتلقى الوحي من السماء: ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾ /النجم: ٣ - ٤/. وهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، وهو الذي قذف الله النور في قلبه، وأجرى الحق على لسانه، وجعل طاعته من طاعته، ومعصيته معصية له سبحانه: ﴿ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾ /النساء: ٨٠/. لهذا كله كانت السنة المطهرة، في مجمل أحكامها وتشريعاتها - من حيث وحوب العمل بها - بمنزلة كتاب الله تعالى، فما ثبت فيها فهو ثابت بوحي من الله سبحانه، وأمر منه وتكليف: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا﴾ /الحشر: ٧/. وعليه فالسنة حجة على المسلمين بلا خلاف، وقد أجمع علماء الأمة على أن من أنكر حجتيها عموما فهو كافر مرتد عن الإسلام. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد للمسلمين من الرجوع إلى ما نقل عنه ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، والأخذ بما ثبت منه، ليعمل به. ولقد بذل السلف الصالح من العلماء جهودا مشكورة في خدمة دين الله ﷿، فدونوا لنا أحاديث رسول الله ﷺ في مصنفات، تنوعت أساليبها واختلف شروطها، وكان من أفضها وأصحها [الجامع الصحيح] لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الذي تلقته الأمة بالقبول، وأولته عناية الدراسة والتقرير، وتناولته بالشرح تارة والاختصار تارة أخرى. واقبل عليه طلاب العلم يقرؤون متنه، ويحفظونه عن ظهر قلب. ولا غرابة، فهو المرجع الثاني - بعد كتاب الله ﷿ في دين الله تعالى، وهكذا نجد المدارس والجامعات في العالم الإسلامي، ما زالت تعنى به دراسة وحفظا، وبعضها تقرره في مناهجها، ليقرأ من أوله إلى آخره في مختلف صفوفها. واسم صحيح البخاري كما سماه مصنفه: (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه). وهذا الكتاب على مكانته وأهميته، واحتياج كل مسلم إليه - ولا نبالغ في القول إذا قلنا: يجب أن توجد في كل بيت مسلم نسخة منه على الأقل - هذا الكتاب لا نزال نجد أكثر طبعاته، إذا لم نقل جميعها، على النمط القديم، خالية من المزاي الفنية للطباعة الحديثة، تحشى الصفحة بالأبواب والأحاديث، الواحد تلو الآخر، دون

المقدمة / 2

- ج - فواصل أو ترقيم، أو بداءة متميزة، مما يجعل القارئ يجد صعوبة في مطالعته أو الرجوع إليه. أضف إلى ذلك: أنه قلما توجد لهذه الطبعات فهارس فيها شيء من التفصيل، رغم ما يمتاز به هذا الكتاب من كثرة الأبواب - إذ يغلب أن يجعل البخاري كل حديث بابا مستقلا يترجم له بعنوان - وهذا من شأنه أن يوقع طالب العلم والباحث في حرج ومشقة، عندما يحتاج أن يراجع حديثا في موضوع من المواضيع أو بحث من البحوث، لا سيما إذا لاحظنا ما يمتاز به البخاري في صحيحه، من تكرار للحديث في أبواب متعددة ومناسبات مختلفة، بل ربما أتى بالحديث في الباب لأقل مناسبة. وهذه الصعوبة قد لمستها بنفسي وشعرت بها، حينما أردت أن أتقدم برسالتي في الفقه وأصوله، التي أعددتها لنيل درجة الدكتوراة من الجامعة الأزهرية في القاهرة - عام ١٣٩٣ هـ، ١٩٧٣ م (^١) - وذلك أن رسالتي تحتوي على الكثير من الأحاديث، التي يحتج بها الفقهاء على ما قروره من أحكام في المسائل الفقهية التي أوردتها في أبحاث الرسالة، فكنت أجد كل الصعوبة عندما أبحث عن الحديث في صحيح البخاري، للملاحظات التي ذكرتها آنفا، وهذا ما جعلني أفكر بالقيام بعمل، أخدم فيه الإسلام والمسلمين، بخدمة هذا الكتاب العظيم الأهمية. وحفزني على التفكير جديا بهذا العمل أكثر فأكثر ما لمسته لدى غيري من طلاب العلم والباحثين، عندما كنت أشكو لهم ما أجد من عناء لدى مراجعتي هذا الكتاب، فكانوا يبثون إلي شكواهم بمثل ما أجد، وبعضهم يظهر أسفه لعزوفه عن هذا الكتاب الجليل القدر، وعدم الاستفادة منه، بسبب تلك الصعوبة التي يجدها في الرجوع إليه. ولقد عزمت على القيام يتنفيذ ما فكرت فيه، وبدأت العمل بعون الله تعالى وتوفيقه، بعد أن انتهيت من مناقشة رسالتي ونلت الدكتوراة بفضل الله جلا وعلا، وتهيأت لي الأسباب. وشجعنى على الإقدام على ذلك إخوة لي ناصحون، وزملاء لي في البحث العلمي مجربون، وأعجبهم ذلك ووافق رغبة في نفوسهم. وبعد أن أنجزت جزءا من _________ (^١) وقد طبعت هذه الرسالة لأول مرة عام - ١٤٠٠ هـ، ١٩٨٠ م - وموضوعها [أثر الأدلة المختلف فيها - مصادر التشريع التبعية - في الفقه الإسلامي] وتطبع الآن الطبعة الثانية

المقدمة / 3

- د - العمل عرضته على بعض أساتذتي، ذوي الفضل علي من كبار علماء هذا البلد العاملين، فسروا بذلك سرورا بلغيا، وأقروا منهجي، ودعوا لي بالتوفيق. وها أنا اليوم، أقدم للمسلمين في بقاع الأرض هذا الكتاب الذي أحبوه وأكبروه، وأحلوه من نفوسهم المكان اللائق به، موشحا بما وفقني الله تعالى إليه من خدمة له. وعملي في هذا الكتاب متواضع واضح، ألخصه بما يلي: ١ - ترقيم الصحيح كتبا وأبوابا وأحاديث، على النحو التالي: أ - ترقيم الكتب ترقيما متسلسلا، بدءا من بدء الوحي، الذي اعتبرته كتابا وأعطيته رقم (١) وختاما بكتاب التوحيد، وكان رقمه (١٠٠). وربما أعطيت رقما لمجموعة أبواب في كتاب، إذا كانت ذات موضوع واحد، وأفردت في بعض نسخ الصحيح بعنوان: أبواب كذا، كما هو الحال في: أبواب الوتر، وأبواب العمرة، ونحو ذلك. وربما خالفت في تقسيم الكتب بعض نسخ البخاري المشهورة، مستندا إلى ما يذكره الشراح فيما اعتمدته ورجحته. ب - ترقيم الأبواب ضمن كل كتاب، فكل كتاب أو مجموعة أبواب يرقم ما فيه من الأبواب ترقيما متسلسلا يبدأ من الواحد وحتى آخر باب منه. وألفت النظر هنا إلى أنني قد حذفت من النسخة التي اعتمدتها كلمة [باب] حيث لم تذكر بعدها ترجمة، معتمدا على ما يذكره الشراح أحيانا مما يرجح حذفها. جـ - ترقيم الأحاديث ترقيما متسلسلا، من أول حديث في الصحيح وحتى آخر حديث منه، حتى ولو كان الحديث متكررا، فإنه يأخذ رقما جديدا متسلسلا مع ما قبله وما بعده، كلما تكرر. ويراعى في هذا الترقيم: أن يبدأ كل كتاب أو مجموعة أبواب ذات رقم، أول صفحة، وأن يكون عنوان كل باب سطرا مستقلا، وأما الأحاديث فيبدأ كل منها من أول السطر. ٢ - وضع علامات الترقيم، من فواصل ونقاط وأقواس وإشارات استفهام ونحو ذلك، وقد راعيت أن يكون كلام رسول الله ﷺ بالذات بين قوسين بهذا الشكل: (). وأن تكون الآيات الواردات في الصحيح بين أربعة أقواس بهذا الشكل: ﴿﴾.

المقدمة / 4

- هـ - ٣ - الإشارة إلى المواطن التي تكرر ذكر الحديث فيها، وذلك بذكر أرقامه في تلك المواطن بعد ذكره أول مرة، وتوضع هذه الأرقام في المتن بعد نص الحديث بين معكوفين بهذا الشكل: []. وكلما تكرر الحديث وضعت بعد ذكره حرف [ر:] فعل أمر من رأى، أي انظر، وذكرت الرقم الذي ورد به أول مرة. وأذكر مثالا للتوضيح أول حديث جاء في البخاري، قال: ١ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيممي: أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ ينكحها، فهجرته إلى ما جاهر إليه). [٥٤، ٢٣٢٩، ٣٦٨٥، ٤٧٨٣، ٦٣١١، ٦٥٥٣]. وهكذا نجد أن البخاري ذكر هذا الحديث في مواطن ستة غير هذا الموطن، ذكرت أرقامها هنا، فإذا رجعت إلى تلك المواطن وجدت الحديث، ولكنك لا تجد هذه الأرقام، وإنما تجد بعد ذكر الحديث: [ر: ١]. وآتيك بالموطن الذي ذكر به ثانية برقم: (٥٤) زيادة في الإيضاح، فقد جاء في: ٢ - كتاب الإيمان، ٣٩ - مَا جَاءَ إِنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امرئ ما نوى. قال: ٥٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عمر: إن رسول الله ﷺ قَالَ: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدنيا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجر إليه). [ر: ١]. وهذا العمل كما ترى يسهل على الباحث أن يجمع أطراف الحديث، لا سيما وأن البخاري رحمه الله تعالى قد يذكر جزءا من الحديث في موطن، وجزءا آخر منه في موطن غيره، وقد يذكره كاملا في أحد المواطن دون غيرها، وهكذا، فبالإشارة إلى مواطنه يستطيع الباحث أن يحصل على الرواية المتكاملة. أضف إلى ذلك: أنه يتعرف على طرق الحديث

المقدمة / 5

- و- وروايته المختلفة، كما رأيت في المثال المذكور، ففي رقم (١) ورد من طريق الحميدي عن سفيان بن يحيى بن سعيد، بينما في رقم [٥٤] ورد من طريق عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد. وأيضا نجد اختلافا في بعض الألفاظ والجمل بين الروايتين، مثل قوله: (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى الله ورسوله) حيث ذكرت في رقم [٥٤] بينما لم تذكر في رقم [١]، وكذلك أفرد لفظ النية في رقم [٥٤] بينما جمع في رقم [١] ونحو ذلك. هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أنه: إذا تكرر الحديث بشكل متتابع في نفس الباب، أشرت إلى ذلك عند ذكر رقم أول رواية له، بوضع رقم أول رواية ورقم آخر رواية على النحو التالي مثلا: ٥٧/ ٥٨ (^١) ثم أضع أرقام باقي الروايات بين قوسين هكذا () ثم أذكر أرقام المواضع التي يتكرر فيها، أو أشير إلى موضعه الأول، بعد آخر رواية تكررت على النحو المذكور. وإليك مثالين يوضحان ذلك: ٥٧/ ٥٨: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. (٥٨): حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، والوقار، والسكينة، حتى يأيتكم أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الْآنَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ: (وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ). فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ. ثُمَّ استغفر ونزل. [٥٠١، ١٣٣٦، ٢٠٤٩، ٢٥٦٥، ٢٥٦٦، ٦٧٧٨]. ١٤٧/ ١٤٨: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْضِي حاجته، مستدبر القبلة، مستقبل الشأم. _________ (^١) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في هذه النسخة الإلكترونية، اقتصرنا على رقم الحديث قبله، منعا للإيهام عند العزو، فمثلا: «٥٧/ ٥٨ - حدثنا مسدد. . . .»، هذا قد يوهم أن الرقمين جميعا يرجعان لحديث مسدد، بينما مقصد المحقق هو: «٥٧ - حدثنا مسدد. . . .»، «٥٨ - حدثنا أبو النعمان. . . .»،

المقدمة / 6

- ز - (١٤٨): حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ: أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ: لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ، مُسْتَقْبِلَ بيت المقدس. [ر: ١٤٥]. ومن الأمانة العلمية أن أقول هنا: إن الذي سهل لي عمل ذكر مواضع تكرار الحديث هو كتاب [فهارس البخاري] للشيخ رضوان محمد رضوان، جزاه الله عن المسلمين خيرا. ٤ - شرح الألفاظ والجمل الغريبة الواردة في الحديث، مما يجعل الحديث واضح المعنى، لدى القارئ الذي يرغب أن يكتفي بالمعنى العام والظاهر للحديث. وطريقتي في هذا أن أضع أسفل الصفحة رقم الحديث الوارد في الأصل (^١)، وأذكر المفردة أو الجملة المراد شرحها ضمن قوسين من هذا الشكل () ثم يذكر بعدها الشرح، وينهى بنقطة، وهكذا أفعل بكل مفردة أو تركيب. والجدير بالذكر أني لا أكرر الشرح في الأحاديث المتكررة، بل أذكر ذلك عند ذكره أول مرة، إلا إذا جاء في المكرر لفظ أو تركيب لم يشرح من قبل، أو لم يذكر، فيشرح في موطنه. هذا، والمعلوم أن متن الصحيح مشكول شكلا كاملا، وقد يكون للفظ ضبط أو أكثر، فربما اكتفيت بشكله على ضبط واحد، وربما شكل على جميع الأوجه. ٥ - ذكر سور الآيات القرآنية الواردة في الصحيح وأرقامها في تلك السور، فإذا كانت الآية في الباب ذكرت ذلك في صلب المتن، وإذا كانت في الحديث ذكرت ذلك في الحاشية عقب شرح ألفاظها، وفي الغالب أتمم الآية أو الآيات المذكور جزء منها في الصحيح، إذا كان الموطن يستدعي ذلك، كما أني أذكر اللفظ القرآني مع ذكر السورة والآية الذي كثيرا ما يشير إليه البخاري رحمه الله تعالى بذكر معناه ونحو ذلك، مع شرح المفردات أو الجمل التي تحتاج إلى شرح من الآية أو الآيات. وطريقتي في شرح ألفاظ وجمل الآيات الواردة في الباب: أن أضع رقم الباب في الحاشية أسفل الصفحة (^٢)، ثم أكتب ما أريد شرحه ضمن قوسين هكذا () وأشرح على النحو الذي مر في شرح الأحاديث، وكذلك أفعل في إتمام الآيات إن وجد ذلك، مع شرح ما يحتاج منها إلى شرح. _________ قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: (^١) في هذه النسخة الإلكترونية، استغنينا عن إعادة رقم الحديث في الحاشية، لأنه تم فصل كل حديث في مدخل مستقل، وشرحه معه في الحاشية، لا يختلط بغيره (^٢) في هذه النسخة الإلكترونية، استغنينا عن إعادة رقم الباب في الحاشية، لنفس السبب السابق

المقدمة / 7

- ح - والبخاري رحمه الله تعالى يكثر من ذكر الألفاظ القرآنية وربما ضبطت على قراءة من القراءات، فإذا ضبطت على قراءة حفص لم أنبه إلى غيرها، وإذا ضبطت على غير قراءة حفص نبهت إلى قراءته غالبا، وربما ذكرت صاحب القراءة الأخرى وربما لم أذكره. وإذا كانت القراءة شاذة ذكرت ذلك صراحة، وقولي: وفي قراءة وقرئ لا يعني أنها قراءة شاذة. ٦ - شرح الألفاظ والتراكيب التي لا تحتاج إلى شرح، في الآثار التي يوردها البخاري في صحيحه، عن الصحابة والتابعين وغيرهم. وبالمناسبة: فإن صحيح البخاري يمكن أن يعتبر كتاب حديث وفقه، لكثرة ما تضمنه من آراء فقهية، لكبار الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، وكثيرا ما يعطي البخاري رحمه الله تعالى رأيه في المسألة، ويسطره في صحيحه. وطريقتي في هذه الشروح كطريقتي في شرح ألفاظ الآيات، والتي سبق ذكرها أيضا. وبهذه الشروح الموجزة، للأحاديث والآيات والآثار، أكون قد وضعت يدي بين يدي المسلم، الراغب بالتعرف على السنة، والإطلاع على الإسلام من منابعه الأصلية، نسخة لهذا الكتاب الجليل، مشروحة بما يسد الحاجة ويلبي الرغبة، بحجم صغير لا يزيد عن حجم المتن كثيرا، بحيث يسهل تداوله واقتناؤه. ومعتمدي في هذه الشروح: شروح البخاري، وفي مقدمتها [فتح الباري] لابن حجر العسقلاني، وغالبا ما أعتمد على [عمدة القاري] للعيني، و[إرشاد الساري] للقسطلاني، و[فتح المبدي] شرح مختصر الزبيدي، و[النهاية في غريب الحديث] لابن الأثير، وكتب التفسير، ومعاجم اللغة. ٧ - يمتاز البخاري بتعليقاته، والتعليق: أن يحذف سند الحديث ويذكر المتن فقط، أو يحذف بعض سند الحديث، وهذه التعليقات ربما أسندها البخاري في مواطن أخرى من صحيحه وربما لم يسندها، وقد تكون مسندة عند غيره من أصحاب كتب السنة. فإن كان البخاري رحمه الله تعالى أسند التعليق الذي ذكره في موطن آخر، أشرت إلى موطن إسناده على النحو التالي: [ر:] وأضع رقمه الذي جاء به مسندا. وإن كان فيه ما يحتاج إلى شرح في هذا الموطن شرحته على الطريقة السابقة في شرح الآيات

المقدمة / 8

- ط - والآثار. وإن لم يسند البخاري رحمه الله تعالى هذا التعليق فإني أتركه دون ذكر من أسنده، وأكتفي بشرح ما يحتاج فيه إلى شرح. ٨ - الإشارة إلى الأحاديث التي اتفق عليها البخاري ومسلم رحمها الله تعالى، وذلك بذكر موضع الحديث المتفق عليه في صحيح مسلم، بذكر الكتاب الذي يوجد فيه، وكذلك الباب والرقم المتسلسل له، في النسخة المرقمة بعمل محمد فؤاد عبد الباقي، رحمه الله تعالى وجزاه عن المسلمين خيرا، ويكون ذلك في الحاشية، بعد وضع رقم الحديث في البخاري وقبل شرح ألفاظه. وللأمانة العلمية أقول: إن الذي سهل لي هذا العمل الجليل أيضا: هو كتاب [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان] لمحمد فؤاد عبد الباقي، رحمه الله تعالى. ٩ - وأما العمل الذي له كبير الأهمية بالنسبة لخدمتي لهذا الكتاب، فهو الفهارس العلمية، التي سيفرد لها - بعون الله وتوفيقه ٠ مجلد مستقل، وتححتوي هذه الفهارس على خدمة جليلة، تجعل الرجوع إلى هذا الكتاب العظيم القدر سهلا بسيطا، كما تجعل الاستفادة منه وافرة ووافية، وتيسر السبيل لكل باحث في التفسير والسنة والفقه، وغير ذلك من العلوم الإنسانية الأساسية، وتختصر الطريق لكل من كان له بغية في أصح كتاب في دين الله ﷿ بعد القرآن. وسميت عملي هذا: (منحة الباري في خدمة صحيح البخاري) والله تعالى أسأل أن يسدد خطاي ويوفقني لخدمة دينه، ويرزقني الإخلاص وحسن العمل، ويمن علي بالعلماء العاملين، وطلاب العلم الصادقين، والمؤمنين المتقين، فيتكرموا علي بتوجيهاتهم وإرشاداتهم ونصائحهم، خاصة وأن الكتاب سيصدر - بعون الله وتوفيقه - على مجلدات متقاربة في زمن صدورها، فيمكن أن يتدارك ما في العمل من نقص أو تقصير، بفضل التوجيهات الصادقة والنصائح المخلصة، وجزى الله تعالى الجميع خير الجزاء، ووفقنا جميعا للعمل بكتابه وسنة نبيه ﷺ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين. ٦ محرم سنة ١٣٩٧ هجرية. ٢٧ كانون الأول سنة ١٩٧٦ ميلادية. مصطفى ديب البغا أبو الحسن.

المقدمة / 9

- ي - شكر وتقدير إنني أتوجه بعميق شكري; إلى الإخوة الكرام الذين كان لهم الفضل في إخراج هذا الكتب خاليا من الأخطاء - على ما أظن - إذ تكرموا علي بالمساعدة في تصحيحه المرات المتعددة، ولم يكن عملهم مقتصرا على التصحح الطباعي فحسب، بل كان لهم فضل كبير في لفت نظري إلى ملاحظات كثيرة وفوائد جمة، تتلق بالشكل وبالمضمون. وأخص منهم بالذكر الذين قرؤوا الكتاب من أوله إلى آخره - أو إلا قليلا منه- وهم: فضيلة الأستاذ المقرئ الشيخ محمد كريم راجح، والأستاذ المحقق الشخ عبد القادر الأرناؤوط، والأستاذ الشيخ مأمون المغربي، فجزاهم الله تعالى خيرا، وأجزل لهم المثوبة والأجر، وكذلك كل من قرأ شيئا منه، أو وقع نظره على خطأ أثناء العمل فنبهني إليه، إنه ﷾ أكرم مسؤول.

المقدمة / 10

بسم الله الرحمن الرحيم ١ - بَدْءُ الْوَحْيِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى آمِينَ:
١ - باب: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نوح والنبيين من بعده﴾ /النساء: ١٦٣/. _________ (أوحينا) أنزلنا عليك الرسالة، من الوحي، وهو في الأصل الإعلام الخفي، ويطلق على تبليغ الله تعالى من يصطفيه من عباده الرسالة، على لسان بعض ملائكته، وهو جبريل ﵇، كما يطلق - أحيانا - على الشيء الموحى به، وعلى الإلهام والقذف في القلب يقظة أو مناما.
١ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه). [٥٤، ٢٣٩٢، ٣٦٨٥، ٤٧٨٣، ٦٣١١، ٦٥٥٣]. _________ أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، بقوله: قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنية، رقم: ١٩٠٧. (إنما الأعمال بالنيات) أي صحة ما يقع من المكلف من قول أو فعل، أو كماله وترتيب الثواب عليه، لا يكون إلا حسب ما ينويه. و(النيات) جمع نية، وهي القصد وعزم القلب على أمر من الأمور. (هجرته) الهجرة في اللغة: الخروج من أرض إلى أرض، ومفارقة الوطن والأهل، مشتقة من الهجر وهو ضد الوصل. وشرعا: هي مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام، خوف الفتنة وقصدا لإقامة شعائر الدين. والمراد بها هنا: الخروج من مكة وغيرها إلى مدينة رسول الله ﷺ. (يصيبها) يحصلها. (ينكحها) يتزوجها. (فهجرته إلى ما هاجر إليه) أي جزاء عمله الغرض الدنيوي الذي قصده إن حصله، وإلا فلا شيء له. والظاهر أن الحكمة من البدء بهذا الحديث التنبيه على الإخلاص وتصحيح النية، من كل طالب علم ومعلم أو متعلم، وأن طالب العلم عامة، والحديث خاصة، بمنزلة المهاجر إلى الله تعالى ورسوله ﷺ.

1 / 3

٢ - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيه، عن عائشة أم المؤمنين ﵂: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ ﵁ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ). قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ ليتفصد عرقا. [٣٠٤٣]. _________ أخرجه مسلم في الفضائل، باب: طيب عرق النبي ﷺ في البرد وحين يأتيه الوحي، رقم: ٢٣٣٣. (صلصلة) هي صوت الحديد إذا حرك، وتطلق على كل صوت له طنين. والمشبه هنا صوت الملك بالوحي. (فيفصم) يقلع، وأصل الفصم القطع من غير إبانة. (وعيت) فهمت وحفظت. (ليتفصد) يسيل، من الفصد وهو قطع العرق لإسالة الدم، شبه الجبين بالعرق المفصود، مبالغة من كثرة عرقه.
٣ - حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ). قَالَ: (فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ من علق. اقرأ وربك الأكرم﴾). فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ⦗٥⦘ ﷺ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ﵂ فَقَالَ: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي). فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي). فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، ابْنَ عم خديجة، وكان امرءا تنصر في الجاهلية، وكان يمتب الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ ورقة: يا بن أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خبر ما رأى، فقاله له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ). قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أن توفي، وفتر الوحي. [٣٢١٢، ٤٦٧٠، ٤٦٧٢ - ٤٦٧٤، ٦٥٨١]. _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، رقم: ١٦٠. (الصالحة) الصادقة، وهي التي يجري في اليقظة ما يوافقها. (فلق الصبح) ضياؤه ونوره، ويقال هذا في الشيء الواضح البين. (الخلاء) الانفراد. (بغار حراء) الغار هو النقب في الجبل، وحراء اسم لجبل معروف في مكة. (ينزع) يرجع. (ما أنا بقارئ) لا أعرف القراءة ولا أحسنها. (فغطني) ضمني وعصرني حتى حبس نفسي، ومثله غتني. (الجهد) غاية وسعي. (أرسلني) أطلقني. (علق) جمع علقة، وهي المني بعد أن يتحول إلى دم غليظ متجمد، والآيات المذكورة أول ما نزل من القرآن الكريم، وهي أوائل سورة العلق. (يرجف فؤاده) يخفق قلبه ويتحرك بشدة. (زملوني) لفوني وغطوني. (الروع) الفزع. (ما يخزيك) لا يذلك ولا يضيعك. (لتصل الرحم) تكرم القرابة وتواسيهم. (تحمل الكل) تقو بشأن من لا يستقل بأمره ليتم وغيره، وتتوسع بمن فيه ثقل وغلاظة. (تكسب المعودم) تتبرع بالمال لمن عدمه، وتعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك. (تقري الضيف) تهيئ له القرى، وهو ما يقدم للضيف من طعام وشراب. (نوائب الحق) النوائب جمع نائبة، وهي ما ينزل بالإنسان من المهمات، وأضيفت إلى الحق لأنها تكون في الحق والباطل. (تنصر) ترك عبادة الأوثان واعتنق النصرانية. (الناموس) هو صاحب السر، والمراد جبريل ﵇، سمي بذلك لاختصاصه بالوحي. (فيها) في حين ظهور نبوتك. (جذع) شاب، والجذع في الأصل الصغير من البهائم، ثم استعير للشاب من الإنسان. (يومك) يوم إخراجك، أو يوم ظهور نبوتك وانتشار دينك. (مؤزرا) قويا، من الأزر وهو القوة. (ينشب) يلبث. (فتر الوحي) تأخر عن النزول مدة من الزمن.

1 / 4

٤ - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري قال، وهو يحدث عن فترة الةحي، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: (بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ⦗٦⦘ فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: ﴿يا أيها المدثر. قم فأنذر - إلى قوله - والرجز فاهجر﴾ فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ). تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ، وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عن الزهري. وقال يونس ومعمر: بوادره. [٣٠٦٦، ٤٦٣٨ - ٤٦٧١، ٥٨٦٠]. _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، رقم: ١٦١. (المدثر) المتلفف بثيابه. (والرجز فاهجر) الرجز في اللغة: ألذنب والإثن والعذاب، والمراد به هنا الأوثان، وسميت رجزا لأنها سببه، والهجر الترك، والمعنى: بالغ واستمر في تركك للأوثان. والآيات أوائل سورة المدثر. (فحمي الوحي وتتابع) كثر نزوله ومجيئه. (تابعه) أي تابع يحيى بن بكير الحديث الثالث، فكان الأنسب أن تأتي هذه المتابعة قبل حديث جابر ﵁. (بوادره) أي قال: ترجف بوادره بدل: يرجف فؤاده، جمع بادرة، وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق، وهي تضطرب عند فزع الإنسان.

1 / 5

٥ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لسانك لتعجل به﴾. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ علينا جمعه وقرآنه﴾. قال: جمعه في صدرك وتقرأه: ﴿فإذا قرأناه فاتبع قرآنه﴾. قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بيانه﴾. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ إذا أتاه جبريل استع، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ ﷺ كما قرأه. [٤٦٤٣ - ٤٦٤٥، ٤٧٥٧، ٧٠٨٦]. _________ أخرجه مسلم في الصلاة، باب: الاستماع للقراءة، رقم ٤٤٨. (يعالج) من المعالجة، وهي محاولة الشيء بمشقة. (التنزيل) تنزيل القرآن عليه. (وكان مما يحرك شفتيه) أي كانت الشدة من كثرة تحريكه شفتيه، وكان ﷺ يفعل ذلك خشية أن ينسى ما أوحي إليه. (به) بالقرآن. (لتعجل به) لتأخذه على عجل، مسارعة إلى حفظه، خشية أن ينفلت منه شيء. (جمعه له) حمع الله تعالى للقرآن. (وتقرأه) وأن تقرأه بعد انتهاء وحيه. (قرآنه) قراءته كما أنزل، فلا يغيب عنك منه شيء. (بيانه) استمرار حفظك له بظهوره على لسانك، وقيل: بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته، وبيان ما فيه من حلال وحرام وغير ذلك. والآيات من سورة القيامة: ١٦ - ١٩.
٦ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح). وحَدَّثَنَا ⦗٧⦘ بِشْرُ بن محمد قال: أخبرناعبد اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المرسلة. [١٨٠٣، ٣٠٤٨، ٣٣٦١، ٤٧١١]. _________ أخرجه مسلم في الفضائل، باب: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَجْوَدَ الناس بالخير، رقم: ٢٣٠٨. (ح) هذا الحرف يسمى حاء التحويل، ويؤتى بها رمزا للتحول من إسناد إلى آخر، إذا كان للحديث إسنادان فأكثر، حتى لا يركب الإسناد الثاني مع الإسناد الأول، فيجعلا إسنادا واحد. وقيل: إنها رمز إلى قوله: الحديث، أي الحديث المذكور، ولكن بهذا الإسناد. (أجود الناس) أسخى الناس، أفعل تفضيل من الجود وهو العطاء. (فيدارسه) من المدارسة، وأصلها تعهد الشيء حتى لا ينسى، والمراد: يتناوب معه القراءة على سرعة. (المرسلة) المطلقة التي يدوم هبوبها ويعم نفعها.

1 / 6

٧ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بن عبد الله بن عتبة بن مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ، فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبت، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. ⦗٨⦘ قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ. قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا به شيء، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ. فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أن ضعفاؤهم اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فلو أني أعلم حتى أَخْلُصُ إِلَيْهِ، لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي بَعَثَ بِه دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ⦗٩⦘ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و: ﴿يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾) قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأصحابي حين أخرجنا: لقد أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ نبي الْأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أدخل الله علي الإسلام. وكان ابن الناطور، صاحب إيلياء وهرقل، أسقفا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ، قَالَ ابْنُ الناطور: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فمن يختن مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ، فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ به ملك غسان يخر عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى ⦗١٠⦘ صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، وَسَارَ هرقل إلى حمص، فلم يروم حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الْإِيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخر شأن هرقل. رواه أبو صالح بن كيسان ويونس بن معمر عن الزهري. [٥١، ٢٥٣٥، ٢٦٥٠، ٢٧٣٨، ٢٧٧٨، ٢٧٨٢، ٢٨١٦، ٣٠٠٣، ٤٢٧٨، ٥٦٣٥، ٥٩٠٥، ٦٧٧١] _________ أخرجه مسلم في المغازي (الجهاد والسير)، باب: كتاب النَّبِيُّ ﷺ إِلَى هِرَقْلَ، رقم: ١٧٧٣. (ركب) جمع راكب، وهم العشرة فما فوق. (بالشأم) ويقال: الشام والشآم، والمعروف الآن أن بلاد الشام هي: سوريا والأردن وفلسطين ولبنان. (ماد فيها) صالحهم على ترك القتال فيها. (بإيلياء) بيت المقدس. (بترجمانه) هو الذي ينقل الكلام من لغة إلى أخرى. (يأثروا) يرووا عني وينقلوا. (أشراف الناس) الشرف علو الحسب والمجد، والمراد هنا أهل النخوة والتكبر منهم لا على كل شريف. (ضعفاؤهم) أي أكثرهم من الضعفاء، وهم الفقراء والعبيد والموالي والصغار. (سخطة) كراهية له وعدم رضا به. (مدة) عهد. (قال) أي أبو سفيان. (سجال) نوب مرة لنا ومرة علينا، وأصل سجال جمع سجل، وهو الدلو الكبير. (ما يقول آباؤكم) أي من عبادة الأوثان ومفاسد الجاهلية. (العفاف) الكف عن المحرمات وخوارم مما لا يليق. (ليذر) ليترك. (وهم أتباع الرسل) في الغالب، لا المستكبرون بغيا وحسدا. (بشاشته) نوره وحلاوته، والفرح به والإنشراح. (الأوثان) جمع وثن، وهو الصنم. (أنه خارج) أي سبيعث نبي بهذه الصفات. (أخلص) أصل. (تجشمت) تكلفت على خطر ومشقة. (لغسلت عن قدمه) مبالغة في خدمته واتباعه، والخضوع لما جاء به. (عظيم بصرى) أميرها، وبصرى بلدة من أعمل حوران في جنوب بلاد الشام. (بدعاية) بدعوة، وهي كلمة الشهادة التي يدعى إلى النطق بها أهل الملل الكافرة، وهي عنوان التوحيد وأصل الإسلام، دين الحق والاستقامة والعزة والكرامة (مرتين) مضاعفا بعدد من يقتدي به من قومه. (توليت) أعرضت عن الإسلام ورفضت الدول فيه. (إثم الأريسيين) إثم استمرارهم على الباطل والكفر اتباعا لك، والمراد بالأريسيين الأتباع من أهل مملكته، وهي في الأصل جمع أريسي وهو الحراث والفلاح. (كلمة سواء بيننا وبينكم) مستوية، لا تختلف فيها الكتب المنزلة، ولا الأنبياء المرسلون، والآية من سورة آل عمران: ٦٤. (الصخب) اللغط واختلاط الأصوات. (أمر أمر ابن أبي كبشة) عظن شأنه، وأبو كبشة: هو أحد أجداد النبي ﷺ، وكانت عادة العرب إذا انتقصت إنسانا نسبته إلى جد غامض من أجداده، وقيل هو أبوه من الرضاع. (بني الأًفر) هم الروم، وكان العرب يطلقون عليهم ذلك نسبة إلى أحد عظمائهم، وقيل غير ذلك. (ابن الناطور) وفي رواية (الناطور) وهو اسم معرب معناه حارس البستان. (صاحب إيلياء وهرقل) أمير بيت المقدس من قبل هرقل. (أسقفا) لفظ معرب، ومعناه عالم النصارى أو رئيسهم الديني. (خبيث النفس) مهموما. (بطارقته) جمع بطريق، وهم خواص دولته وأهل مشورته. (استنكرنا هيئتك) اختلف علينا حالك وسمتك. (حزاء) كاهنا يخبر عن المغيبات. (ينظر في النجوم) يتكهن من أحوالها. (ملك الختان) وفي رواية (ملك) أي ظهر سلطان الذين يختتنون، والختان قطع قلفة الذكر، وكان الروم لا يختتون. (برومية) مدينة معروفة للروم، وهي مقر خلافة النصارى ورئاسهتم. (حمص) بلدة معروفة من بلاد الشام. (يرم) يفارق، وقيل: يصل. (دسكرة) قصر حوله أو فيه منازل للخدم وأشباههم. (فحاصوا) نفروا وكروا. (حمر الوحش) جمع حمار، والوحش حيوان البر. (وأيس من الإيمان) انقطع أمله منهم. (آنفا) قريبا أو هذه الساعة، والآنف أول الشيء.

1 / 7

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
٢ - كتاب الإيمان١ - بَاب الإيمان، وقول النَّبِيِّ ﷺ: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ) وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ /الفتح: ٤/. ﴿وزنادهم هُدًى﴾ /الكهف: ١٣/. ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ /مريم: ٧٦/. ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ /محمد: ١٧/. ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ /المدثر: ٣١/. وَقَوْلُهُ: ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ /التوبة: ١٢٤/. وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ /آل عمران: ١٧٣/. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ /الأحزاب: ٢٢/. وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: إن لٌيمان فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وإن مت فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ ﵇: ﴿ولكن ليطمئن قلبي﴾ /البقرة: ٢٦٠/. وقال معاذ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ﴾ /الشورى: ١٣/: أوصيناك يا محمد وإيام دِينًا وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ /المائدة: ٤٨/: سَبِيلًا وَسُنَّةً. ﴿دُعَاؤُكُمْ﴾ إِيمَانُكُمْ، لِقَوْلِهِ ⦗١٢⦘ ﷿: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾ /الفرقان: ٧٧/. ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان. _________ (وهو) أي الإيمان. (فرائض) أعمال مروضة. (شرائع) عقائد دينية. (حدودا) منهيات ممنوعة. (سننا) مندوبات. (استكملها) أتى بها جميعها. (فسأبينها) أوضحها لكم إيضاحا يفهمه كل واحد. (ليطمئن قلبي) يزداد يقيني. (نؤمن ساعة) نذكر الله زمنا، ونتذاكر الخير وأمور الآخرة وأحكام الدين، مما يزيدنا إيمانا ويقينا. والذي قيل له ذلك: هو الأسود بن هلال المحاربي. (اليقين) العلم وزوال الشك. (التقوى) الخشية، وحقيقتها أن يحفظ نفسه من تعاطي ما تستحق به العقوبة، من ترك الطاعة أو فعل المعصية. (حاك) وقع في القلب ولم ينشرح له الصدر وخاف فيه الإثم. (وإياه) أي نوحا ﵇. (شرعة ومنهاجا) الشرعة والشريعة بمعنى واحد، وهي ما شرعه الله لعباده من أحكام الدين، والمنهاج الطريق. (إيمانكم) فسر ابن عباس ﵄ الدعاء بالإيمان، محتجا بالآية المذكورة. (يعبأ) يبالي ويكترث، ولم يعبأ به: لم يجد له وزنا ولا قدرا.

1 / 11

٨ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رمضان). [ر: ٤٢٤٣]. _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: أركان الإسلام ودعائمه العظام، رقم: ١٦. (بني الإسلام على خمس) أعمال الإسلام خمس، هي له عالدعائم بالنسبة للبناء، لا وجود له إلا بها.
٢ - بَاب: أُمُورِ الْإِيمَانِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ /البقرة: ١٧٧/. ﴿قد أفلح المؤمنون﴾ /المؤمنون: ١/ الآية. _________ (البر) اسم جامع لكل خير. (تولوا وجوهكم) تتجهوا في صلاتكم. (الكتاب) الكتب المنزلة من الله تعالى. (آتى المال على حبه) أعطى المال وأنفقه، مع حبه له وتعلقه به. (ابن السبيل) المسافر المنقطع في غير بلده. (وفي الرقاب) إعتاق العبيد وفك الأسرى. (الباسأء) الفقر والشدة. (الضراء) المرض وما شابهه. (حين البأس) وقت شدة القتال في سبيل الله تعالى. ومناسبة الآية هنا: أنها جمعه وجوه الخير من العقيدة ومكارم الأخلاق والجهاد في سبيل الله تعالى، ونصت على أن من جمع هذه الصفات هو التقي الفائز عند الله ﷿، وهذا يعني: أن الإيمان الذي فيه الفلاح والنجاة، هو ما اشتمل على هذه الخصال. (أفلح) دخل في الفلاح، وهو الظفر بالمراد من الخير. (الآية) أي الآيات بعدها، وفيها تفصيل خصال المؤمنين.
٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عن النبي ﷺ ⦗١٣⦘ قَالَ: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ من الإيمان). _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، رقم: ٣٥. (بضع) ما بين اثنين إلى عشرة. (ستون) عند مسلم (سبعون) ولا تعارض بين الروايتين، قال النووي: فإن العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد في نفي ما سواه. (شعبة) خصلة، والشعبة واحدة الشعب، وهي أغصان الشجرة، وهو تشبيه للإيمان وخصاله بشجرة ذات أغصان، لا تتكامل ثمرتها إلا بتوفر كامل أغصانها. (الحياء) صفة في النفس، تحمل على فعل ما يحمد، وترك ما يذم عليه ويعاب.

1 / 12

٣ - بَاب: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ١٠ - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ وإسماعيل، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ). قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وقال مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُد، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عبد الله عن النبي ﷺ. وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. [٦١١٩]. _________ أخرج مسلم بعضه في الإيمان، باب: بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، رقم: ٤٠. (المسلم) أي الكامل الإسلام. (المهاجر) أي الحقيقي، اسم فاعل من الهجرة، وهي في الأصل: مفارقة الأهل والوطن في سبيل الله تعالى، وأريد بها هنا ترك المعاصي.
٤ - بَاب: أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ١١ - حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بن عبد الله بن أبي بردة، عن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لسانه ويده). _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، رقم ٤٢. (قالوا) قيل: السائل هو أبو موسى الأشعري ﵁ نفسه، وقيل هو وغيره. (أي الإسلام أفضل) أي الأعمال في الإسلام أعظم أجرا وأعلى مرتبة.
٥ - بَاب: إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الْإِسْلَامِ١٢ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄: أَنَّ رجلا سأل النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى من عرفت ومن لم تعرف). [٢٨، ٥٨٨٢]. _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، رقم: ٣٩. (رجلا) هو أبي ذر ﵁. (أي الإسلام خير) أي أعمال الإسلام أكثر نفعا. (تقرأ السلام) تسلم.

1 / 13

٦ - بَاب: مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يحب لنفسه١٣ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وعن حسين المعلم قال: عن النبي ﷺ قال: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يحب لنفسه). _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لإخيه ...، رقم: ٤٥. (لا يؤمن أحدكم) الإيمان الكامل. (ما يحب لنفسه) من فعال الخير.
٧ - حُبُّ الرَّسُولِ ﷺ مِنَ الإيمان١٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁: أن رسول اللَّهِ ﷺ قَالَ: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أحب إليه من والده وولده). _________ (فوالذي نفسي بيده) أقسم بالله تعالى، الذي حياتي بيده. (أحب إليه) مقدما لديه، وعنوان ذلك الطاعة والاقتداء وترك المخالفة.
١٥ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أنس، عن النبي ﷺ (ح). وحَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ والناس أجمعين). _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: وجوب محبة رسول الله ﷺ أكثر من الأهل والولد والوالد، رقم: ٤٤.
٨ - بَاب: حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ١٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النار). [١٢، ٥٦٩٤، ٦٥٤٢]. _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: ٤٣. (وجد حلاوة الإيمان) انشرح صدره للإيمان، وتلذذ بالطاعة وتحمل المشاق في الدين، والحلاوة في اللغة مصدر حلو يحلو، وهي نقيض المرارة. (لا يحبه إلا لله) لا يقصد من حبه غرضا دنيويا. (يقذف) يرمى.
٩ - بَاب: عَلَامَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ١٧ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: ⦗١٥⦘ سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار). [٣٥٣٧]. _________ أخرجه مسلم في الإيمان، باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي ﵁ من الإيمان، رقم: ٧٤. (آية) علامة. (الأنصار) جمع ناصر ونصير، وهم كل من آمن بالنبي ﷺ من الأوس والخزرج، سموا بذلك لنصرتهم له ﷺ. (النفاق) إظهار الإيمان وإضمار الكفر، والمنافق هو الذي يظهر خلاف ما يبطن.

1 / 14

١٨ - حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ﵁، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: (بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ). فَبَايَعْنَاهُ على ذلك. [٣٦٧٩، ٣٦٨٠، ٣٧٧٧، ٤٦١٢، ٦٤٠٢، ٦٤١٦، ٦٤٧٩، ٦٧٨٧، ٧٠٣٠]. _________ أخرجه مسلم في الحدود، باب: الحدود كفارات لأهلها، رقم: ١٧٠٩. (شهد بدرا) حضر غزوة بدر. (النقباء) جمع نقيب، وهو عريف القوم وناظرهم، والمراد الذين اختارهم الأوس والخزرج نقباء عليهم، بطلب من النبي ﷺ وأقرهم على ذلك (ليلة العقبة) الليلة التي بايع فيها ﷺ الذين آمنوا من الأوس والخزرج على النصرة وهي بيعة العقبة الثانية، وكان ذلك عند جمرة العقبة بمنى، والعقبة من الشيء: الموضع المرتفع منه. (عصابة) الجماعة من الناس وهم ما بين العشرة إلى الأربعين. (بايعوني) عاهدوني. (بهتان) كذب فظيع يدهش سامعه. (تفترونه) تختلقونه. (بين أيديكم وأرجلكم) من عند أنفسكم. (ولا تعصوا في معروف) لا تخالفوا في أمر لم ينه عنه الشرع. (وفى) ثبت على العهد. (أصاب من ذلم شيئا) وقع في مخالفة مما ذكر. (فعوقب) نفذت عليه عقوبته من حد أو غيره. (ستره الله) لم يصل أمره إلى الفضاء.
١٠ - بَاب: مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ١٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شغف الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ). [٣١٢٤، ٣٤٠٥، ٦١٣٠، ٦٦٧٧، وانظر: ٥٨٤]. _________ (يوشك) يقرب. (غنم) اسم جنس يقع على الذكور والإناث جميعا، وعلى الذكور وحدها والإناث وحدها. (شغف الجبال) رؤوس الجبال، والمفرد شعفة. (مواقع القطر) مواضع نزول المطر. (يفر بدينه من الفتن) يهرب خوفا من أن يفتن في دينه، ويخوض في الفساد مع الخائضين.

1 / 15