164

Ṣafwat al-Tafāsīr

صفوة التفاسير

Publisher

دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

Publisher Location

القاهرة

Genres

البتول ومن قصة زكريا يحيى إِنما هو من الانبياء المغيبة والأخبار الهامة التي أوحينا بها إِليك يا محمد ما كنت تعلمها من قبل ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ أي ما كنت عندهم إِذ يختصمون ويتنافسون على كفالة مريم حين ألقوا سهامهم للقرعة كلٌ يريدها في كنفه ورعايته ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ أي يتنازعون فيمن يكفلها منهم، والغرض أن هذه الأخبار كانت وحيًا من عند الله العليم الخبير. . روي أن حنّة حين ولدتها لفتَّها في خرقة وحملتها إِلى المسجد ووضعتها عن الأحبار وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إِمامهم ثم اقترعوا فخرجت في كفالة زكريا فكفلها قال ابن كثير: وإِنما قدّر الله كون زكريا كافلًا لها لسعادتها لتقتبس منه علمًا جمًا وعملًا صالحًا ﴿إِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ﴾ أي بمولود يحصل بكلمة من الله بلا واسطة أب ﴿اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ﴾ أي اسمه عيسى ولقبه المسيح، ونسبَه إِلى أمه تنبيهًا على أنها تلده بلا أب ﴿وَجِيهًا فِي الدنيا والآخرة﴾ أي سيدًا ومعظمًا فيهما ﴿وَمِنَ المقربين﴾ عند الله ﴿وَيُكَلِّمُ الناس فِي المهد وَكَهْلًا﴾ أي طفلًا قبل وقت الكلام ويكلمهم كهلًا قال الزمخشري «ومعناه يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوتٍ بين حال الطفولة وحال الكهولة» ولا شك أن ذلك غاية في الاعجاز ﴿وَمِنَ الصالحين﴾ أي وهو من الكاملين في التقى والصلاح ﴿قَالَتْ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ أي كيف يأتيني الولد وأنا لست بذات زوج؟ ﴿قَالَ كَذَلِكَ الله يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ أي هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء يخلق بسببٍ من الوالدين وبغير سبب ﴿إِذَا قضى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ أي إِذا أراد شيئًا حصل من غير تأخرٍ ولا حاجةٍ إِلى سبب، يقول له كن فيكون ﴿وَيُعَلِّمُهُ الكتاب﴾ أي الكتابة ﴿والحكمة﴾ أي السداد في القول والعمل أو سنن الأنبياء ﴿والتوراة والإنجيل﴾ أي ويجعله يحفظ التوراة والإنجيل قال ابن كثير: وقد كان عيسى يحفظ هذا وهذا ﴿وَرَسُولًا إلى بني إِسْرَائِيلَ﴾ أي ويرسله رسولًا إِلى بني إِسرائيل قائلًا لهم ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي بأني قد جئتكم بعلامةٍ تدل على صدقي وهي ما أيدني الله به من المعجزات، وآيةُ صدقي ﴿أني أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير﴾ أي أصوّر لكم من الطين مثل صورة الطير ﴿فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله﴾ أي أنفخ في تلك الصورة فتصبح طيرًا بإِذن الله.
قال ابن كثير: وكذلك كان يفعل، يصوّر ن الطين شكل طير ثم ينفخ فيه فيطير عيانًا بإِذن الله ﷿ الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله، وهذه المعجزة الأولى ﴿وَأُبْرِىءُ الأكمه والأبرص﴾ أي أشفي الذي ولد أعمى كما أشفي المصاب بالبرص، وهذه المعجزة الثانية ﴿وَأُحْيِ الموتى بِإِذْنِ الله﴾ أي أحيي بعض الموتى لا بقدرتي ولكن بمشيئة الله وقدرته، وقد أحيا أربعة أنفس: عازر وكان صديقًا له، وابن العجوز: وبنت العاشر، وسام بن نوح هكذا ذكر القرطبي وغيره، وكرر لفظ «بإِذن الله» دفعًا لتوهم الألوهية، وهذه المعجزة الثالثة ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ أي وأخبركم بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكُّون فيها فكان يخبر الشخص بما أكل وما ادخر في بيته وهذه هي المعجزة الرابعة ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لَّكُمْ

1 / 184