358

مسألة:[الكلام في ترجيح المستفتي بين من يأخذ بقوله عند

الإختلاف]

ومتى اتفق أهل العلم والإجتهاد في الفتوى وجب على المستفتي قبولها بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك؛ فإن اختلفوا وجب عليه عندنا الإجتهاد في أعلمهم وأدينهم وطلب الأمارات على ذلك؛ لأن ذلك يمكنه، وهو مقو لظنه، وقد تقرر وجوب طلب الظن الأقوى لمن لم يمكنه العلم، وأنه لا يجوز العدول عنده إلى الظن الأضعف مع التمكن من الظن الأقوى كما قلنا في المجتهد في المسائل إنه يجب عليه البحث والإجتهاد حتى يحصل له العلم أو غالب الظن فيما لا يتمكن فيه من الوصول إلى العلم.

وحكى شيخنا رحمه الله تعالى عن قوم أنهم أسقطوا عنه الإجتهاد في ذلك، ونصره الشيخ أبو الحسين البصري، واحتج له: بأن العلماء في كل عصر لا ينكرون على العامي ترك الإجتهاد في أمر العلماء بل يسوغون له العمل على فتوى من أفتاه بغير إنكار منهم عليه، فكان ذلك إجماعا.

وأجاب عن ذلك رحمه الله تعالى: بأنا لا نعلم إجماعهم على ذلك حتى نعلم أنهم علموا أن العامي استفتى من العالم بغير نظر في أمره ولا ترجيح له على غيره في ظنه، وهذا لا سبيل إليه، وإذا لم يعلم العلماء ذلك من حاله لم ينكروا عليه؛ لأن أمور المسلمين محمولة على السلامة إلا فيما ظهر خلافها، فإذا رأوه يستفتي جوزوا أنه ما استفتى إلا ممن غلب على ظنه أنه أولى من غيره بأن يرجع إليه ويؤخذ منه، بل ذلك هو الواجب عليهم؛ لأن تحسين الظن بالمسلمين واجب ما أمكن، وقد أمكن فلا يصح دعوى الإجماع على خلاف ما ذكرنا.

مسألة:[الكلام في اختلاف المفتين في الورع والعلم وتفصيل ذلك]

فإن استويا عنده في العلم وكان أحدهما أشد ورعا من الآخر، كان أشدهما ورعا أولى بالإستفتاء لأن شدة ورعه تحمله على التثبت في أمر الإجتهاد، وتدقيق النظر في المسائل وقلة التساهل عن أمر الحادثة فيكون الظن بما يفتي به أقوى، والعمل على الظن الأقوى هو الواجب.

Page 383