251

فإن كانت مما الحق فيه واحد، وقال بعضهم بذلك، وسكت الباقون، لم يخل إما أن يكون لسكوتهم وجه يصرف إليه أو لا يكون؛ فإن كان لسكوتهم وجه يصرف إليه لم يحصل لنا العلم بوقوع الإجماع، كما نقول في سكوت من سكت عن إنكار إمامة أبي بكر وعمر وعثمان(1) ، فإنا نقول: إن سكوتهم مخافة من وقوع الفتنة، وانشقاق العصا، وخيفة من انهدام ركن الإسلام، لقرب عهد الناس بالكفر، وغراءة أهل النفاق، وشياع الردة في العرب، مع ما وقع من إجماع الأكثر على الأقل ممن كان كارها لذلك، فهذه وجوه بعضها يكفي لو جوزنا وقوع السكوت.

وإن لم يكن للسكوت وجه يصرف إليه وكانت الموانع عن الإنكار زائلة قضينا بأن ذلك إجماع منهم على تصويبه؛ لأنه لو كان خطأ كان العامل عليه أو القائل به مخطئا، والساكت عن النكير مخطئا، وذلك يوجب اتفاق الجميع على الخطأ، وذلك لا يجوز لما تقدم بيانه.

وإن كانت المسألة من مسائل الإجتهاد؛ فالقائلون بأن الحق في واحد يقولون بقولنا.

وحكى شيخنا رحمه الله تعالى اختلاف القائلين بأن كل مجتهد مصيب.

فكان يحكي عن أبي علي كون ذلك إجماعا إذا انقرض العصر ولم يظهر مخالف، وهو قول أكثر الفقهاء.

وحكى عن أبي هاشم وأبي الحسن أن ذلك لا يكون إجماعا، وإنما يكون حجة.

وحكى عن أبي عبدالله أن ذلك لا يكون إجماعا ولا حجة، وهو قول أصحاب الظاهر، وكان رحمه الله تعالى يذهب إليه، ونحن نختاره.

والدليل على صحته: أنه إن قال به البعض أو فعلوه وهو من مسائل الإجتهاد، وقد ثبت أن كل مجتهد مصيب، لم يجب على الباقين إنكاره؛ لأنه إنما يجب إنكار المنكر، وهذا ليس بمنكر بل هو حق، ولا يمتنع أن يكون عند الساكت قول غير هذا القول يعتمد عليه ويختاره ولا يظهر إما لتشاغله عن إظهاره أو لبعض الموانع الممكنة.

أو يجوز أن الصواب في المسألة غير ذلك إلا أنه لم ينظر فيها لبعض الموانع من الإشتغال وغيرها فلا يصح القطع على أن ذلك القول حاصل بإجماع الكل فيما هذا حاله.

Page 276