233

وأما في الحروب: فإنه لما وصل بدرا وحط في أسفل الوادي قال له رجل(2) من الأنصار: (يا رسول الله هذا موقف أوقفناه الله سبحانه لا يجوز لنا نتعداه إلى غيره أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟) فقال: ((بل هو الرأي والحرب والمكيدة)) قال: (فانهض بنا إلى أعلى الوادي، لنحوز الماء خلف ظهورنا ونقاتل العدو من وجه واحد) فأقره على ذلك بل صوبه، ونهض فحط في أعلى الوادي، ولو كان خلافه في ذلك لا يجوز لما أقره على ذلك.

وأما أن حالهم لا يكون أعلى من حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذلك ظاهر.

قال رحمه الله تعالى ثم ذكر في كتاب النهاية أن مخالفتهم لا تجوز؛ لأن أدلة الإجماع لم تفصل بين أمر وأمر.

قال رحمه الله تعالى: وقال أبو رشيد إنه إن استقر الإجماع لم يجز مخالفته، وإن لم يستقر جازت مخالفته.

قال: وقد أشار إلى مثل ذلك القاضي، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يذهب إلى قول أبي رشيد ويحتج له بأن أدلة الإجماع لم تفصل بين إجماعهم في أمر الدنيا وأمر الآخرة، ولا يجوز الفصل بغير دلالة.

وعندنا أنه ينبغي أن نفصل الكلام في هذه المسألة تفصيلا، فنقول: إجماعهم لا يخلو إما أن يكون في الوجه الذي تقع عليه الحرب أو في صورتها ووقتها ومكانها؛ فإن كان في الوجه الذي يقع عليه القتال من أنه لا يجوز قتالهم إلا بعد الدعاء أو لا يجوز قتالهم إلا مع إمام أو أمير، أو لا يجوز قتالهم إلا للدفع، وجوز انعقاد الإجماع على أحد هذه الوجوه فإنه لا يجوز مخالفتهم.

وإن أجمعوا على القتال في موضع مخصوص كقتالهم في باب القادسية، أو في وقت مخصوص من صباح أو مساء، أو لأمر مخصوص كأن يدفع إليهم جزية أو ضريبة، أو تستمر الهدنة إلى مدة معلومة، أو يتركوا قصد المسلمين في تلك الأوقات، فإنه يجوز خلافهم في ذلك؛ لأن حالهم لا تكون أعلى من حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا جاز خلافه في ذلك كان جواز خلافهم أولى.

فإن قيل: إن الأدلة لم تفصل في وجوب اتباعهم بين أمر وأمر في دنيا ولا آخرة.

Page 258