251

Safwat Casr

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Genres

وفي سنة 1908 ألف حزب الأمة فكان ناموسه، وأنشئت الجريدة فكان مديرها، وبذلك ابتدأت حياته السياسية الأولى، وأضاف الأستاذ إلى ألقابه العلمية لقب «الكاتب الكبير والصحافي القدير».

ومن هاهنا تجلت مواهبه بلونها الناصع، في مجالها الواسع، فاتجهت إليه الأبصار بعد أن أصبح رجل الأقلام والمنابر، فالناس إن تنس لا تنسى خطبه الرنانة حين كان ناموس الحزب أو بعد ذلك في محاضراته السياسية أو الاجتماعية، ولا تنسى مقالاته الرائعة التي كان يمليها على قلمه الفياض قريحته الوقادة وذهنه الحاد.

نعم كانت جميع خطاباته ومقالاته حفيلة بالأفكار العالية، والآراء السديدة السامية فوق ما في أسلوبها الفذ من قوة البيان، وابتكار الموضوعات والألفاظ والمعاني.

فالجريدة في عهده كانت مبدأ نهضة أدبية مباركة، وكم ربت من كبار الكتاب والمفكرين والأدباء والشعراء من هم اليوم موطن الرأي في البلاد، كما أوجدت طورا جديدا في الحركة الفكرية والأخلاقية والسياسية، أساسها استقلال الوطن عن كل سيادة أجنبية، وقمتها أن تكون الأمة وحدها هي مصدر السلطة في الحكم.

وكان الأستاذ لطفي في هذه الحركة عرقها النابض ولسانها الناطق، غادر الأستاذ الجريدة سنة 1914م بعد أن ترك فيها أو في الأمة على أصح تعبير أحسن الأثر في مختلف نواحيها.

فمن الوجهة الأخلاقية كان في الأمة من يعيش على النفاق والرياء تقربا إلى ذوي السلطة والحكم، فأرى الناس أنه لا زلفى في الحق لأمير أو لوزير.

ومن الوجهة الاجتماعية كان فريق من المحافظين يستميت في القديم ويقدسه عن طريق الوراثة لا عن طريق العقل، فخرج عليهم بمبادئه الجديدة، فجذبت إليه أبصارهم سواء كان ذلك في أمر البيئة أو العادات الموروثة.

ومن الوجهة الأدبية، كانت طائفة من أرباب الأقلام تكتب بأسلوب مقيد، وتفكر في دائرة محدودة، فأطلق الأقلام بما كتب وفكر من تلك القيود العقيمة وكان إماما أو قائدا لدولة جديدة في الرأي والتعبير، ومن الوجهة السياسية كان بعض الزعماء يدعون الأمة بقبول سيادة خاصة، وإنهم وإن دعاهم حسن القصد في الخدمة الوطنية إلى هذا المنزع من الرأي، إلا أنه على نقيض ذلك كان يرى الحكمة في مجابهة هذا الرأي مهما استهدف للوم من أجله، وكانت هذه الحقيقة أكبر خدمة أداها الأستاذ لقومه وبلده.

مالت نفس الأستاذ لطفي بعد ترك الجريدة إلى العمل النيابي فانتخب عضوا في مجلس مديرية الدقهلية، فكان فيه مرجع الاستشارة ومصدر الآراء القيمة، على أنه ما لبث أن حن إلى بيئته الأولى القضائية فأجاب داعي الحكومة حين أسندت إليه رئاسة النيابة في بني سويف سنة 1915.

وحين خلا مركز مدير دار الكتب من شاغله الألماني اختير هو له ليكون أول مدير وطني يسد عن الأجنبي في هذا المركز الجليل، فنقل إليه وظل فيه إلى أن تألف سنة 1918 الوفد المصري المطالب لمصر بالاستقلال التام، فصادف ذلك هوى في نفسه وآثر الاستقالة ليتفرغ للخدمة في أكبر تطور سياسي أدركه، وكان في الحقيقة من الممهدين له من سنوات خلت كما تقدم بيانه.

Unknown page