وماذا بعد الكمال إلا الزوال
فذلك الذي كان يضع توقيعه على القوانين والأوامر العالية بأمر لحضرة الفخيمة الخديوية، وبالنيابة عن رئيس مجلس النظار، وعن ناظر الداخلية وعن ناظر الخارجية، وعن ناظر المالية وعن ناظر الحقانية، وبصفته ناظر الأشغال قد اعتزل الأعمال مرة واحدة في 11 نوفمبر سنة 1908 مع ما بذلوه من الإلحاح عليه في الدخول كرة أخرى في الوزارة الجديدة؛ لأنه أصر على الانقطاع إلى الراحة والسكينة، وهما من أخص الصفات التي امتازت بها حياته في أيام العمل وفي أيام الفراغ.
ولكنه كان في الحالين عنوان المواظبة والمثابرة على الحضور في جميع الجلسات، التي تعقدها الجمعيات العلمية والفنية التي انتظم فيها، فلا يكاد يخلو من اسمه محضر من محاضر المجمع العلمي المصري والجمعية الجغرافية الخديوية، ولجنة العاديات المصرية، ولجنة حفظ الآثار العربية، وكل أقرانه يشهدون بأنه كان على الدوام يحضر في الميعاد المضروب بالتمام بلا تقديم ولا تأخير.
وقد خدمه التوفيق في أيام توفيق، وابتسم له الزمان في أيام مولانا العباس، وخصوصا في وزارته الأخيرة بالأشغال العمومية، فأتمت الحكومة الخديوية بناء الدار الكبرى للمحاكم الأهلية ودار الكتب الخديوية، ودارالعاديات المصرية وكبارى جزيرة الروضة وكل هذه الآثار بالقاهرة، هذا فضلا عن المدارس المتعددة للبنين والبنات والورش الصناعية بالقاهرة والإسكندرية وغيرها من أمهات المدائن، وناهيك بخزان أسوان وقناطر أسيوط، وقناطر زفتى وتحويل الحياض بالوجه القبلي ونحو ذلك من الآثار الكبيرة النافعة، والعمائر المفيدة الخالدة التي ازدهى بها عصر مولانا العباس، وله في افتتاحها تلك الحفلات المشهورة، التي ألقى فيها خطبة الرئاسة المأثورة، وأخصها تلك المقولة التي ألقاها بين يدي ولي النعم في حفلة افتتاح الخزان في 10 ديسمبر سنة 1920.
صفاته وأخلاقه
أما أخلاقه فحدث عنها ولا حرج، شمائل تسري مسرى النسيم، وصدر رحيب، وصدق في القول وبساطة في المعيشة، وتواضع في المعاملة لذلك كان محبوبا من الجميع مرضيا عنه من القريب والبعيد، وقد أشبه أباه في سجاياه اللهم إلا فيما يتعلق بالحرب وآلات الكفاح ، وأنجب لنا مثله نجلين موفقين هما حضرة صاحب المعالي الجليل محمود فخري باشا وزير مصر المفوض لدى حكومة الفرنسيس، وصاحب العزة الأستاذ جعفر بك فخري المحامي الشهير.
سلام عليك يا ابن جعفر ويا أبا جعفر.
والموت نقاد على كفه
جواهر يختار منها الجياد
تاريخ إجمالي وجيز لبطل الحروب والمعارك المغفور له جعفر صادق باشا
Unknown page