Page 3
AUTO بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
| AUTO بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
[ديباجة الكتاب، والسبب في تأليفه وذكر مصادره وتوثيقه]
الحمد لله باريء البرايا، وواسع المنا والعطايا، مجيب دعاء الداعين، وميسر السبيل للساعين، أحمده حمد من كان قصارى(1) حمده الاعتراف بالعجز عن القيام بأداء شكره لصغير من الآلاء، واستغرق فكره في تعرف إدارك أياديه، عز وجل، على عبده الحقير، فأطرق إعظاما وإجلالا ، أنعم تفضلا ، وأحسن تطولا، وأوسع تنفلا، وأوعد إكمالا، له الثناء الجميل، والفضل الجزيل، والشكر الجليل تبارك وتعالى.
والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعباد على الإطلاق، ومتمما لمكارم الأخلاق، محمد طيب المحتد ، وزاكي الأصول والأعراق، وعلى آله ناشري برود السعادة على أيدي الدهور، وناصبي أعلام السيادة، التي لا حود في عودها ولا قصور.
وبعد: فإن الله -تعالى؛ وله الحمد- خلق الخلق ليمتن عليهم بأنواع الامتنان، ودعاهم إلى ما يستحقون معه الخلود في غرف الجنان، ويسر لهم إلى نيل ذلك طريقين، بعد أن هداهم النجدين، وهما: العبادة بالأقوال والأفعال، فيعملون قليلا، ويستريحون طويلا.
Page 9
فأما العبادة الفعلية، فلا تحتاج إلى مقدمة ولا قضية، لأنها أركان الإسلام، وما يفرع منها ويتعلق بها.
وأما العبادة القولية، فهي سائر الأذكار والأدعية، ولها نتعرض إن شاء الله تعالى.
وكون العبادة تنقسم إلى هذين الطرفين، وتتنوع إلى هذين النوعين، أمر بين، قال تعالى في ذم المشركين في إشراكهم في أحد جزئي العبادة: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن}..إلخ [الفرقان:60].
وقال في القسم الآخر: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون(65)} [العنكبوت].
وقال في حث المؤمنين: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}..إلخ [الكهف:110].
وقال: {فادعوا الله مخلصين له الدين} [غافر:14]، وقال تعالى: {ادعوني أستجب لكم}..إلخ [غافر:60]، هذا باعتبار ظاهر الآيات في أحد الأمرين وإن حمل الكل على الكل غالبا لأن المرجع إلى مطلق الإقرار بالله تعالى بلوازمه، أو الإنكار بلوازمه، ثم جعل تعالى ركن الشهادة مهيمنا على النوعين، ومصدقا لما اندرج تحته من الطرفين فهما حقها والموجبان لصدقها، وجعل الإخلاص والتفكر وسائر مسبباتهما من الخشوع والخضوع ونحوهما كالماهية لهما والملاك توجد حقيقتهما بوجود ذلك، وتزول وإن بقت صور أفرادها بزواله.
روى السيد الإمام المرشد بالله في أماليه، من حديث علي عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((التوحيد ثمن الجنة، والحمد لله شكر كل نعمة، وخشية الله مفتاح كل حكمة، والإخلاص ملاك كل طاعة)).
Page 10
Page 11
والسبب الداعي للتعرض لآخر القسمين، أن الأئمة والعلماء -رحمهم الله تعالى- قد وضعوا في ذلك النصيب الوافر، والفضل المتكاثر، خلا أن ذلك مدرج في غصون تصانيفهم، وأعطاف تآليفهم، ولا يخفى ما قد عم وطم من القصور الظاهر في عالم العلماء، فضلا عمن لا يعد من قبيل أولئك الكرماء، فربما مر الحريص على الفائدة في موضعها عند الاشتغال بغيرها كالدرس مثلا فيترك تلك إشتغالا أو تكاسلا فيذهب كما قد جربت ذلك من نفسي مرارا من الأوقات وإرسالا، ولم أحض بطائل أعمارا طوالا، وأما من لم يكن من ذلك القبيل، فإنه يمنعه بعد السفر عن الوصول إلى القليل، ولم يوجد شيء من المراد مجموعا مقربا للباحث والطالب، وإن وجد خارجا فلم يقع الظفر به، ككتاب الذكر لمحمد بن منصور المرادي؛ وهو من أجل ما وضع في هذا الباب، وكتاب (عدة الحصن الحصين، وشرحه) لمحمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي رضي الله عنه، و(الأذكار) للنووي، و(سلاح المؤمن)، وغيرها فإن فيها كثيرا طيبا، وكذلك (الهدي النبوي) لابن القيم، و(منظومة شرحها الهدي)، كلاهما للعلامة الحسن بن إسحاق -رحمه الله- فإن في ذلك كثيرا لاشتماله على هديه صلى الله عليه وآله وسلم وخلائقه كلها ذكر وهديا وأمثال ذلك، لكنه عول على الحقير من لا يسعه مخالفته في مقصد صالح، ولا يستجيزها ومقصده أن يكون قطعة من الأدعية تختص بطرق الأئمة عليهم السلام وشيعتهم ا لكرام، مما صح لنا طريقه وروايته وإن كان في صحيفة إمام هذا الفن وسيد أهل العبادة والزهادة زين العابدين علي بن الحسين عليهم السلام ما يشفي ويكفي، ولكن القصد الاقتصار على المرفوع من الأدعية النبوية، وربما تدرج شيء يسير من أدعية أمير المؤمنين علي عليه السلام لسببين: كونه نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكون المنقول عنه غالبه الرفع حكما كما ستقف عليه، ويكون ذلك مما طريقه متصلة بالأئمة عليهم السلام إلى جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ليكون أقرب للناظر وأيسر للخاطر، وربما نذكرمن أدعية بعضهم نزرا يسيرا إحتياجا أو إستحسانا وذلك لم يتعد موضعين أو ثلاثة إلا ما ندر، وكل ذلك مذكور منسوب ليختار الناظر العمل به أو تركه، وقد ذكر لي بعض مشايخي، مد الله مدته، أن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم عليه السلام قد تعرض لأدعية الأئمة وهي مجموعة وسيسر الله الظفر بها لك إن شاء الله، فنظرت وإذا المعمول عليه لم يقم بالتعويل، إذ الخطب يسير والأمر جميل، لأن مطلوبه -عافاه الله- لم يكن من قبيل التصنيف ولا التأليف إنما هو جمع لمفترق أو تفريق لمجتمع، غير أني راج من ذي الأياد والطول، والقوة والحول، أن يجعل لي من أجل البحث والتسويد من الأجر نصيبا، وأن يفرج به وينفع قلبا كئيبا، ففي الصحيح: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث))، حتى قال: ((أو علم ينتفع به بعد موته))، واندارج هذا تحت جملة العلم اندراج ما أشار إليه حديث: ((إن لله ملائكة يطوفون يلتمسون الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله جلسوا إليهم))، حتى قال: ((فيقولون إن في فيهم فلانا رآهم فجلس، فيقول الله تعالى: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم))، وهو متفق عليه، فجردت النفس لذلك المقصد مستعينا بالله الواحد الصمد، قائلا:
يا من عليه المعتمد، ومن فيض سماحه مستمد، أمدنا بنواصي بركات الإحسان، ومتعنا بلطفك العام التام الذي لا يختلجه منع ولا نقصان.
Page 12