Safat Mulah
سفط الملح وزوح الترح
وظننت أني قد أسرفت على الرجل وهرت من لسانه فأقبل علي قال أعيذك بالله يا أبا عمر من هذا الكلام في دار الأمير وعلى مائدته فإن الأشراف لا يحتملون التعريض باللوم، وقد حض الدين التعريض وعزر عليه عمر بن الخطاب، ووليمة الأمير دعاة لأهل مصره، فإنه سليل أهل السقاية، والرفادة، والمطعمين، والأفضلين، الذين هشموا الثريد، وأبرزوا الجفان.
فمن غدا إليهم وراج، ثم لا يوزع، وأنت في بيت العلم، معروف بالحديث عن درست بن زياد، وهو ضعيف جدًا عن أبان بن طارق، وهو متروك الحديث، بحكم يرفعه، إلى النبي ﷺ والمسلمون على خلاف لأن حكم السارق القطع، والمغير يرى على ما يراه الإمام وهذان حكمان لا ينفذان على داخل دار، في مجمع فيتناول لقمًا من فضل الله، الذي أنا أهلها، ثم لا يحدث حدثًا، حتى يخرج عنها، وقد قال ﵊: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة".
حدثنا بذلك عاصم النبيل عن أبي جريج عن أبي هريرة عن جابر عن النبي ﷺ ويعلم فأين أنت من هذا الحديث الصحيح الإسناد، والمتن.
قال نصر فأصابتني خجلة شديدة، فأمسكت، فلما رأى الرجل ما بي، أكل ونهض قبلي، فلما خرجت وجدته واقفًا بالباب على دابته، فلما رآني تبعني، ولم يكلمني، ولا كلَّمته، إلا أنِّي سمعته يتمثل: [المتقارب]
ومن ظنَّ أن سَيُلاقي الُحُروبَ ... وأَنْ لا يصابَ فقد ظنَّ عَجَزا
لبعضهم يهجو طفيليًا: [الكامل]
كَم لَطْمةٍ في حُرِّ وجهك صلبة ... من كفِّ بوَّابٍ شديد ضابطِ
وكان ذاكَ، وكلُّ ما لاقيتهُ ... لمَّا أكلت أصاب عرض الحائطِ
قال عبد الملك بن مروان لجلسائه يومًا: أي المناديل أفضل؟ فقال بعضهم: اليمنية، التي كأنها نور الربيع، وقال بعضهم: المصرية، التي كأنها غرقىء البيض، فقال عبد الملك: ما صنعتم شيئًا ولا قلتم شيئًا، أفضلها مناديل عبدة بن الطبيب، حيث يقول: [البسيط]
ثَمَّ انثنينا إلى جُرد مُسوَّمةٍ ... أعرافهنَّ لأيدينا مناديلُ
وكقول امرىء القيس: [الطويل]
تَمُشُّ بأعرافِ الجيادِ أكُفُّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مُضَهَّبِ
المشّ: مسح اليد بما يقشر عنها الدسم، ويقال: المنديل مشوش.
قيل لأعرابيّ كان يحب امرأة، فزُوجت بابن عمٍّ لها، وعزم أهلها أن يهدوها إلى بعلها، أيسرُّك أن يظفر الليلة بها؟ فقال نعم، والذي أمتعني بحبها، وأشقاني بطلبها، قيل: فما كنت صانعًا؟ قال: كنت أطيع الحب في لثمها، وأعصي الشيطان في إثمها، ولا أفسد عشق سنين بما يبقى ذميمًا عاره، وينشر قبيحة أخباره في ساعة تنفد لذتها، وتبقى تبعتها إني إذًا للئيم، ولم يغذني أصل كريم.
قال مالك بن دينار: بينما أنا أطوف بالبيت، وإذا بجارية متعبدة، متعلقة بأستار الكعبة، وهي تقول: يا رب كم شهوة ذهبت لذتها، وبقيت تبعتها، أيا رب ما كان لي أدب إلا بالنار، وهي تبكي، فما زال ذلك مقامها، حتَّى طلع الفجر، فلما رأيت ذلك، وضعت يدي على رأسي صارخًا، وأقول ثكلت مالكًا أمه، وعدمته جويرية، منذ الليلة، وقد بطلته، وأنشدني الحسين في معناه: [الطويل]
وطائفةٍ بالليلِ، والليلُ مظلمُ ... تقول ومنها دمعها يَسَجَّمُ
أيا ربِّ كم منْ شهوةٍ قدْ رزيتها ... ولذَّة عيش حبلها منصرمُ
أمَ كان ربِّي للعباد عقوبةً ... ولا أدبٌ إلا الجحيم المُضرمُ
فشَبَكتُ مني الكفَّ أهتف صارخًا ... على الرأس أبدي بعض ما كنت أكتمُ
وقلت لنفسي إذ تطاولَ ما بها ... وأعيا عليها وردها المتنعِّمُ
ألا ثكلتك اليوم أمُّك مالكًا ... جُويريَّة ألهاك عنها التَّكلُّمُ
فما زلت بطالاتها طول ليلةٍ ... يُنال بها حظًَّا جسيمٍ، وتنَعُّمُ
يروى أنه تزوج رجل من همدان إلى ابنة عمٍّ له، فلم يلبث أن ضرب عليه البعث إلى آذربيجان، فأصاب بها خيرًا واستفاد جارية حسناء وفرسًا جوادًا فسمَّى الجاريو حبابة، وسمَّى الفرس الورد، وأقام بالثغر، فقال له ابن عمه: ما يمنعك من القفول إلى منزلك؟ فقال: أخشى من ابنة عمي أن تحول بيني وبين الجارية، وقد هويتها، ثم أنشد يقول: [الطويل]
ألا لا أُبالي اليوم ما صنعت هندٌ ... إذا بقيت عندي حبابة والوردُ
1 / 74