ومع ذلك لم يقل شيئا غير هذه الكلمة ... وما عرفنا شيئا غير أنه ثائر غاضب، وأن ثورته لا تعني غير الاعتكاف في مقهى خال، ونفث الدخان في عصبية واضطراب ...
أما سعدية فهي أكثر صراحة ووضوحا، إنها في هذه الساعة نفسها تجلس في حجرتها، وعلى حافة السرير بالذات، تتحدث بالتليفون ... أي سرير؟ ليس السرير النحيل الذي كان قطعة من الأثاث يوم تزوجت عبد السميع ... لقد اختفت الحجرات الثلاثة، وحجرة المطبخ أيضا ... إن بيت عبد السميع ليس فيه الآن من ذكريات زواجهما غير عبد السميع وسعدية، إنه ليس بيت الموظف المتواضع بحي المنيرة، وإنما هو الدار الفخمة الواسعة الأنيقة بحي الزمالك.
لنستمع إلى سعدية، وهي تتحدث بالتليفون ... ما زال لها قوامها ممتلئا ممشوقا ... ولحمها أبيض كالعاج.
ألم أقل إنها أكثر صراحة ووضوحا؟ إنها تقول أيضا، تقول في التليفون لمن تحدثه: مش معقول! ولكنها تمضي بعد ذلك ... - ماذا يظن في نفسه هذا الأحمق؟ يأمر وينهى، ثم يقول لي إنه سيد البيت ... وإن له الحق أن يدعو من يشاء، وأنا ليس لي الحق ...
وتستمع سعدية لمن تحدثه في التليفون برهة، ثم تقول: خرج غاضبا.
ثم تتابع حديثها بعد لحظة: لا شيء ... سوف يعود ... كما عاد دائما ... ليقبل رأسي.
وينتهي الحديث ... لقد عرفنا على الأقل أن هناك خلافا بين عبد السميع، وسعدية ... إنه يريد أن يدعو إلى داره صديقا أو أصدقاء، وسعدية ترفض ... أو ربما أن سعدية هي التي تريد أن تدعو أصدقاء، وعبد السميع يرفض، وكلاهما يرى فيما يطلبه صاحبه أمرا غير معقول.
ثم لا تنتهي القصة ... ففي الساعة السابعة من اليوم نفسه، وعلى مقهى آخر يجلس فريق من الموظفين ... ونسمع اسم عبد السميع يتردد على ألسنتهم، ويدور هذا الحديث: كاد عبد السميع بك اليوم يبطش ببيومي الفراش لسبب تافه. - لقد أصبح عبد السميع بك لا يطاق. - لازم الإدارة مزعلاه. - وهو يقدر على زعلها؟ - لو أنه فعل شيئا أغضبها لنقلته إلى أسوان. - أو على الأقل لم يكن لينال درجة مدير عام «أ» ولم يمض على ترقيته شهور لدرجة مدير عام «ب».
ثم يسودهم الصمت لحظة، ويقول أحدهم: هناك شيء يحيرني! - ما هو؟ - كيف يستطيع عبد السميع بك أن يوفق بين كل هؤلاء الكبراء الذين يعرفهم مثلا ...؟ ولكن لا داعي ...
ويرد آخر: مثلا ماذا؟ لا تكن جبانا.
Unknown page