فانثنت زينب إلى يسارها ورفعت كفها إلى وجهها كأنها تحجبه به، وقالت: رباه، من أرى أشاكرا أرى؟! - نعم، ترين شاكر بك نظمي يا زينب، فاطمئني. - يا الله، هل قام من بين القبور؟ - لم يزل حيا يعيش بحبك. - فنظرت إليه راجفة قائلة: رحماك يا شاكر رحماك إني أثمت إليك، ولكني عوقبت على إثمي قدر ما أستحق فهل تسامحني؟ - لم أعد إلى مصر متنكرا لكي أدينك يا زينب، بل لكي أخلصك من أيدي الظلمة، فقد عرفت كل حادثة من تاريخ حياتك في حينها، كأني كنت في مصر، فاعلمي أن فرجك قريب وبعده نتحاسب. - ويلاه أتريد أن تنتقم مني؟ - معاذ الله.
عند ذلك نهضت زينب من مكانها وارتمت عند قدمي طاهر - أو بالأحرى شاكر - وقالت: إني بين يديك، فكن أنت إرادتي. - يجب الآن أن تمضي إلى بيت عمك، وتمكثي هناك حتى يعود، وبعد ذلك تحذري من عزيز ما استطعت، ولكن لا تظهري أنك موجسة منه شرا.
نزلت زينب تتنازعها عوامل الدهشة والخوف والفرح والأمل بالخلاص، وركبت المركبة والحوذي أخذها توا إلى أمام منزل حسين باشا عدلي عمها، فدخلت إلى دار الحريم كزائرة.
وكان قبيل وصولها أن حسين باشا ركب مركبته وقصد توا إلى الجزيرة وهو ينتفض من الغضب؛ لظنه أن زينب أمسكت هناك، فلما دخل استقبله عزيز باشا، فقال له: هل هي هنا؟ - لم تأت بعد مع أنها خرجت قبلي من البيت، فلا أدري أين ذهبت؟ لعلها تصل قريبا! من قال لك أن تأتي؟ - أما أنت الذي تكلم بالتلفون، وقال إنه يجب أن أعجل بالمجيء؟ - كلا! لعل خليل أخي كلمك، ولكنه تسرع؛ لأني كنت أود ألا تجيء إلا وهي هنا. - لعلها ذهبت إلى مكان آخر. - يستحيل؛ لأني مؤكد أنها قادمة إلى هنا. - إذن إلى أين عرجت؟ - من يدري؟
وبعد تذمر قليل قال عدلي باشا: إني راجع، فإذا أتت تستدعيني تلفونيا، فأحضر.
ولما عاد حسين باشا إلى منزله قيل له: إن زينب في دار الحريم فسأل: متى أتت؟ فقيل له: إنها أتت على إثر خروجه، فحار في أمرها، وخطرت له عدة أفكار منها أنها قد تكون بريئة ومتهمة زورا، وقد يمكن أنها شعرت بأن العيون عليها بالمرصاد، فعدلت عن قصدها السري ولجأت إلى منزله؛ لكي تغير الظنون السيئة. وحاصل القول أنه لم يقابلها ولا طلب مقابلتها، بل آثر السكوت.
أما عزيز باشا فلما مل الانتظار في الجزيرة، ودليلة لم تأت لا بزينب ولا وحدها حار في أمرهما، وخطرت له أفكار متضاربة، فخرج وقصد توا إلى منزل دليلة، فوجدها، فقال لها: أين أنتما؟! - لم تأت زينب. - عجيب! كيف ذلك؟ لقد خرجت من المنزل الساعة الخامسة تماما، فأين ذهبت؟ - لا أدري! لم أزل منتظرة إلى الآن، ولما استبطأتها ظننتها لن تأتي اليوم.
عاد عزيز باشا إلى البيت وسأل عنها، فقيل له: إنها لم تعد منذ خرجت فتضاربت ظنونه فيها، وتمنى أن تكون قد زاغت لكي تثبت دعواه عليها لدى عمها حسين باشا عدلي فيغضبه عليها، ولكن خطر له في أول الأمر أن يسأل عنها في بيت عمها فسأل: وعلم أنها هناك، فخطر له أن تكون قد عدلت عن الذهاب إلى دليلة كما تواعدتا؛ لشكها فيها.
سأل: عما إذا كان أحد كلم حسين باشا عدلي بالتلفون من المنزل ؟ فقيل لم يتكلم أحد قط، ثم بحث عن أخيه، فوجده، فسأله هل خاطب حسين باشا في التلفون أن يذهب إلى الجزيرة؟ فقال أخوه «لا» فتحير عزيز وقص على أخيه ما كان، فقال: لا بد أن يكون أحد قد اطلع على الدسيسة، فحذرها، وأوعز إلى حسين باشا أن يذهب إلى الفندق بنفسه فلا يجدها هناك، فتثبت له براءتها بدل خيانتها.
من يا ترى يفعل ذلك ونحن نكتم كل أمر ونبالغ في الحرص على أسرارنا؟ - إما أن زينب نفسها شعرت بالدسيسة، فتخلفت أو أن دليلة خانتنا، فيجب أن نتحقق المسألة جيدا.
Unknown page