فقال عزيز باشا: لا بد من أمرين معا؛ الأول إحباط مساعي حسن كلها؛ لكيلا يبقى لنعيمة حجة بحبه، ولا يكون فيه من المحامد ما يستميل حسين باشا إليه، والثاني أن يكون في يدنا قوة مالية نستطيع بها تنفيذ مآربنا؛ لأننا بلا مال لا نقدر أن نقاوم أحدا ولا نفوز بأمر.
فقال خليل: وما العمل إذن للحصول على هذين الأمرين؟
فقال ديمتري: أما الأمر الأول؛ أي إحباط مشروع حسن، فيتم بإزالة حب حمد بك لعائدة؛ لأن حمد بك لا يساعد في إعطاء الامتياز إلا إكراما لها؛ ولولاها لما كان يساعد في مشروع عظيم كهذا إلا برشوة عظيمة له ولأعوانه، والرشوة لمشروع كهذا المشروع تستنفد ثروة عظيمة.
فقال عزيز باشا: ذلك هو الصواب، فما الطريقة إذن لإزالة هذا الحب؟
فقال ديمتري: ما من طريقة مضمونة سهلة؛ لأن حمدا يحبها حبا شديدا - على ما فهمت - ويكاد يستسلم بكليته لطاهر أفندي لأجلها.
فقال عزيز باشا: عندي طريقة مضمونة. - ما هي؟ - أن تنقضي حياة هذه الفتاة.
فقال ديمتري: لعل هذه هي الطريقة المثلى، وقد افتكرت بها؛ لأن الفتاة مريضة الآن والدكتور يوسف بك رأفت يعالجها فإذا أمكن أن ندس السم لها في بعض الأدوية أفلحنا وكانت التبعة على سوانا.
فقال عزيز باشا: إذا كان ذلك ممكنا فزنا لا محالة، وماذا يكون لو فقد العالم فتاة أو ألف فتاة؟
فقال ديمتري: ولا شيء. - أما افتكرت بطريقة لدس السم يا خواجه ديمتري؟ - افتكرت، وأظن أن الطريقة التي افتكرت بها سهلة وناجحة. - وما هي؟ - هي أن نراقب خادم طاهر أفندي عائدا من الأجزاخانة بالدواء فيقابله مبعوث من قبلنا في الطريق فيطلب إليه أن يذهب في رسالة قصيرة المسافة، ويوهمه أنها ضرورية جدا، ويغره بالنقود، ويأخذ منه الدواء وديعة عنده ريثما يعود، وفي غيابه يدس سما في الدواء، وحينئذ يجب أن يكون المبعوث مزودا بحبوب سامة مختلفة الحجم وببرشام سام أيضا وبقليل من محلول الزرنيخ، فإن كان الدواء حبوبا فتح العلبة وأبدل بضع حبات بما معه، وإن كان برشاما فعل كذلك أيضا، وإن كان محلولا فتح الزجاجة وأفرغ منها قليلا وملأها من السائل الزرنيخي القوي الذي معه. - ولكن إذا كانت الزجاجة أو العلبة مختومة فماذا يفعل؟ - يفك الختم فليس في ذلك ما يدعو إلى المظنة والارتياب؛ لأن الإجزائية لا يختمون كل أواني الأدوية التي تصدر من عندهم، والخادم لا يعلم إن كانت مختومة وقد فض ختمها؛ لأنه تناولها ملفوفة بورقة ولم يفتحها. - فكرة حسنة، ولكن من يقوم بهذه المهمة؟
فزم ديمتري شفتيه كأنه يقول: لا أدري، فقال عزيز باشا: لا أحد سواك يتقن تمثيل هذا الدور يا مسيو ديمتري. - أمثله إكراما لخاطركم ولكن ... - ولكن ماذا؟ لك جزاؤك، متى خدمتنا مجانا يا مسيو ديمتري؟ أما صرت ذا ثروة من مالنا. - لا أنكر؛ ولذلك لا أتأخر عن خدمتكم فقروا عينا، إني أتولى تمثيل هذا الدور. - ونحن لا نتأخر عن مكافأتك إذا نجحت فيه، ونجحنا نحن في مشروع آخر. - أي مشروع؟ - قلنا إن الأمر الثاني يجب أن يكون في أيدينا مال نستطيع أن ننفذ به مآربنا، وأنت تعلم يا خواجه ديمتري أنني أصبحت على شفا الإفلاس بسبب خسائر البورصة التي لحقت بي. - ألا يمكن أن تنجح في الاستيلاء على شيء من أملاك زينب هانم فترهنه؟ ألا تزال مصرة على صيانة أملاكها منك؟
Unknown page