Sacd Zaghlul Zacim Thawra
سعد زغلول زعيم الثورة
Genres
إلا أن المندوب السامي كان موتورا من المجلس ومن الشعب؛ لأنهم استنكروا منه أن يباشر عمله دون أن يقدم أوراقه كسائر السفراء والوزراء المفوضين، كما استنكروا رحلاته إلى الأقاليم واستقباله الأعيان والوجهاء كأنه ملك يستقبل رعاياه. وليس للمجلس بد من هذا الاستنكار؛ لأن سكوته عنه أمر غير مفهوم إلا على معنى الإقرار والتفريط في أمانته الوطنية وأمانته الدستورية، ولكن اللورد جورج لويد لا يعرف عذرا لأحد في معارضة أهوائه وبدواته، ولا يرى للمصريين - حكومة ونوابا وشعبا ومتطرفين ومعتدلين - إلا أن يذعنوا لتلك الأهواء والبدوات ... فكظمها في صدره حتى سنحت مناسبة كأنها لا مناسبة على الإطلاق ... وراح يمطر الحكومة المصرية باحتجاجاته الشفوية والكتابية، ويطلب منها ما لا طاقة لحكومة في الدنيا بقبوله، وهو مد خدمة سبنكس باشا ثلاث سنوات ومنحه رتبة الفريق، وتخويله السيطرة على الضباط في الترقية والتعيين، واتصاله المباشر بجلالة الملك، وتعيين وكيل له ووكيل للوكيل من الإنجليز! وغير ذلك من المطالب التي أقلقت الحكومة والمجلس، وأضاعت عليهما الوقت في غير طائل ... فإن خضعت الحكومة لهذا، وإلا فالبوارج البريطانية على شاطئ الإسكندرية، وأرواح الأجانب في خطر داهم! وإن قالوا هم ونادى بعض سفرائهم بأنهم في أمان يعيشون بين المصريين معيشة الإخوان!
وقام وزير الخارجية البريطانية السير أوستن شامبرلن بمجلس النواب البريطاني فقال في بيان أسباب الأزمة: «إن أنظار فريق من رجال السياسة في مصر اتجهت إلى الجيش منذ زمن، وهم يرمون «أولا» إلى زيادة الجيش الحالي، و«ثانيا» إلى اتخاذه سلاحا في يد حزب سياسي، ولا ريب أن هذه المساعي من المسائل التي تهم الحكومة البريطانية مباشرة؛ لأن الدفاع عن القناة من المصالح الجوهرية، وحماية الأجانب من العهود التي قطعناها على أنفسنا.»
إلى أن قال: «والحكومة البريطانية على استعداد للشروع توا في فتح باب المفاوضات للوصول إلى هذه الغاية، وهي الاتفاق على المسائل المختلف عليها، ولكن علينا إلى أن يتم ذلك الاتفاق أن نصر على بقاء الضمانات التي دلت الخبرة الماضية على أنها فعالة!» نعم ... وعلى المصريين طبعا أن يفهموا أنه لا سلامة من هذه الأزمات حتى يساقوا سوقا إلى المفاوضات!
وبعد محال وجدال استقر الرأي على إجابة بعض المطالب، وهي ترقية سبنكس باشا ومد خدمته وتعيين وكيل له، وانتهت أزمة من تلك الأزمات التي تخلق من الهباء ويضاع فيها الوقت على ساسة المصريين، ثم لا يسلمون بعدها من اللوم والاتهام بالتقصير في أعمال الإنشاء والإصلاح! وقد بذل سعد من الجهد في تهدئة النواب والجمهور ما ليس يقدر على بذله سواه، وكان موضع الملاحظة عليه من بعض أنصاره - ومنهم كاتب هذه السطور - أنه يشتري الدستور بأغلى من ثمنه، ويطيل المسألة حيث لا يرجى أن تقابل بمثلها أو يكف عن العدوان.
وكنت في أمثال هذه المناسبات أقول وأكتب مؤكدا لهذا المعنى، كما قلت في أواخر مايو سنة 1926 من مقال في صحيفة البلاغ:
ويلوحون لنا بعهد كرومر وإلغاء الدستور، وما عهد كرومر بشر من دستور كهذا لا ينال المصريون منه إلا التبعات الجسام، ولا يجنون منه إلا الأباطيل والأوهام. فإما أن نسلم للإنجليز بكل زعم يزعمونه وكل مطلب يدعونه، وإما أن ينسخوا الدستور ويعبثوا بالعلاقات بين الشعب والعرش والبرلمان. ثم ماذا نأخذ نحن من هذا الدستور الذي يسوموننا فيه هذا السوم الغشوم؟ لا شيء على الإطلاق. نعم! لا شيء إلا الضرر والمحال مشفوعا بالفرقة والانقسام.
وإنما ذكرت هذه الملاحظات لأذكر رد سعد عليها وحجته في ردها، فقد كنت إذا حدثته فيما يلاحظ من فرط الحرص على الدستور أمام التهديد والوعيد يقول لي: «ليذهب الدستور حيث يذهب ... هذا حسن. ولكن يجب أن نذكر أن الإنجليز قادرون على تضييع جهودنا كلها في طلب الدستور، وأنهم لولا رغبتهم فيه لضاع علينا ما سلف من جهود. يا فلان! إن في صلب الدستور كلمات لا تزال مكتوبة بخط موظف إنجليزي في دار المندوب.»
وحجته في موقفه من أزمة الجيش خاصة، أن تضييع الدستور من أجلها عجلة لا تقضي بها الضرورة. ومتى كان القوم يشيرون إلى المفاوضة بلسان وزيرهم، فلا ضرر من إرجاء الخلاف كله بضعة أشهر إلى أن نتفق على قرار، أو يذهب الدستور إلى حيث يذهب كما تقول.
وعلى ضيق الوقت وغلبة الشواغل السياسية والأزمات المصطنعة، قد اتسع المال لأعمال شتى ومقترحات صالحة، كإلغاء السخرة وتعميم التعاون بين الفلاحين، وفتح الطرق ودرس مشكلة العمال، وما إلى ذلك من مطالب الإصلاح الاجتماعية.
غير أننا لا نريد هنا أن نسرد سجلا للأعمال والمقترحات التي أشرف عليها سعد في أثناء رئاسته لمجلس النواب، فإن هذه الأعمال والمقترحات قد يشرف عليها كثيرون من رؤساء المجالس النيابية، ثم لا يمتازون بقدرة غير معهودة في الرؤساء عامة، إلا أن الغاية التي ما بعدها غاية في هذه الصناعة أن يستوي المرء فيها على مستوى الواجب كما يتخيله المتخيل ويصبو إليه المتأمل.
Unknown page