Sacd Zaghlul Zacim Thawra

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
71

Sacd Zaghlul Zacim Thawra

سعد زغلول زعيم الثورة

Genres

وأما المسائل الأخرى فقد كان موقف سعد فيها كموقفه في قانون الاجتماعات؛ يدلي برأيه ويصغي إلى رأي النواب والشيوخ، ويعمل بما يقررون.

وبعد هذه الشواغل جميعها، لا عجب إذا كان وقت الوزارة لم يتسع لإنجاز أعمال الإصلاح التي كانت في نيتها وفي مقدروها. وهي لم تلبث في الحكم إلا تسعة أشهر تحسب منها أيام البطالة وأيام السفر وأيام الاستشفاء والعلاج. فحسبها مع هذا جميعه أنها استطاعت أن تحقق معنى الحكومة الأول وهو إطلاق الحرية للمحكومين في أوسع الحدود؛ فقد كان المصري يستمتع في عهد الوزارة السعدية بحرية واسعة لا يستمتع الإنجليزي ولا الفرنسي بأوسع منها، وكان الأنصار والمعارضون في هذه الحرية على حد سواء. فمن قرأ ما كانت تكتبه صحف المعارضين عن سعد وآل سعد ووزارة سعد، علم أن الحرية المنشودة لا تتسع في بلد من البلدان لأكبر من هذه الحقوق في النقد والمعارضة، بل في المهاجمة والتجريح.

واستطاعت الوزارة السعدية أن تشرع في إصلاح ميناء السويس، وفي مد السكك الحديدية بالوجه البحري والتمهيد لتوسيعها بين الأقصر وأسوان، وفي إنشاء الطرق الهامة بالقاهرة كطريق الأزهر وطريق الأمير فاروق، وما شابه ذلك من أعمال العمران، وأن تشرع في تعميم التعليم الإجباري حسبما تتهيأ له موارد الدولة، ولم تحجم عن تشييد الجامعة المصرية إلا لأنها كانت تفهم من معنى الجامعة أن تجعلها شيئا غير اجتماع المدارس العليا في صعيد واحد، كما قال سعد في حديثه مع كاتب هذه السطور عندما كان ناظرا للمعارف العمومية، أو كما قال وهو رئيس للوزارة: «إن الذي أفهمه أن الجامعة - بمعنى اجتماع المدارس العليا - موجودة الآن، وهي وزارة المعارف!» وهو يعني أن الجامعة التي يريد إنشاءها - وقد وضع حجرها الأول يوم كان قاضيا بمحكمة الاستئناف - هي الجامعة التي تعلم الطلاب الاستقلال بالبحث والتوسع في الإحصاء، ولا تكتفي بالبرامج المعهودة في المدارس العالية قبل إنشائها.

ترى ماذا كان شعور سعد بسلطان الحكم الذي جلب عليه جميع هذه المتاعب وحمله جميع هذه الأعباء وأحاطه بجميع هذه الدسائس والنكايات؟ أسرور؟ نعم! لا شك أنه تقبل سلطان الحكم في بادئ الأمر بشيء غير قليل من السرور والرجاء، ولكنه سرور غير سرور الضعيف المزهو بمرتبة رفعته، أو ارتفع هو لها بين سائليها والمتطلعين إليها، وإنما هو سرور الانتصار على الذين حسبوا أنهم حائلون بينه وبين هذا المكان عنوة وقهرا، فإذا هو يدركه بحوله وقدرته ولا يحتاج فيه إلى شفاعة شافع أو معونة معين؛ فهو شعور الظافر في الميدان والرابح في الرهان، لا شعور الكسب أو المتعة بالعطاء!

ولكنه سرعان ما فقد حتى هذا السرور قبل أن يستقيل ببضعة أيام؛ ففي الليلة التي استرد فيها استقالته كنت أتناول العشاء على مائدته مع بعض المدعوين، وكانت الطرقات حول «بيت الأمة» تموج بالهاتفين والمهنئين، وهو في موقف خليق أن يحسبه انتصارا على الخصوم، ونجاحا فيما طلب وفاتحة لعهد جديد. فتحولنا بالحديث إلى الحكم ومتاعب الحكام الدستوريين والمستبدين على السواء ... فقال رحمه الله وهو يزم شفتيه في امتعاض وأسف: «إن أردتم الحقيقة ... أنا غير ملذوذ!» وهكذا حوافز الحياة، أقوى ما فيها من عزاء للأقوياء العاملين أنهم قادرون على النهوض بها وقادرون على احتمال صدماتها وعقابيلها، ولولا ذلك لما ثابروا على رجائها ولا ثابروا على عنائها والعودة إليها، أما سرورها فهباء لا فرق فيه بين الأقوياء العاملين والضعفاء الحالمين.

ويلي هذا الفصل فصل عن العلاقات بين الملك فؤاد وسعد، يليه تلخيص الحوادث التي جرت في مصر بعد استقالة الوزارة السعدية إلى عودة الحياة النيابية كما يأتي.

الفصل الثاني عشر

من رئاسة الوزارة إلى رئاسة النواب

فكر سعد في بقاء الدستور بعد ذهاب الوزارة، فأعلن في خطابه - الذي ألقاه على النواب تبليغا للمجلس باستقالة الوزارة - أنه مستعد مع أصدقائه الكرام من أعضاء هذا المجلس لأن يؤيدوا كل وزارة تشتغل لمصلحة البلاد.

وأعلن مثل ذلك في ندائه إلى الأمة باعتباره رئيسا للوفد، وفي خطاب ألقاه على الجموع الذين وفدوا إلى بيت الأمة بعد استقالته حيث قال:

Unknown page