Sacd Zaghlul Zacim Thawra
سعد زغلول زعيم الثورة
Genres
سعد زغلول زعيم الثورة
سعد زغلول زعيم الثورة
تأليف
عباس محمود العقاد
مقدمة
تسير الأمم على هدى من غايتها كلما تبينت مواقع خطواتها بين ماضيها وحاضرها، ويعظم رجاؤها في النجاح كلما أحست أنها أدركت نصيبا منه في الماضي وأنها خليقة أن تدرك نصيبا مثله أو يزيد عليه في المستقبل، ومصر لا تكسب شيئا من قول قائل: إن جهادها كله عبث، وإن زعماءها كلهم عجزة أو مقصرون. فإن هذا ظلم للماضي وللمستقبل في وقت واحد: ظلم للماضي؛ لأنه يخالف الواقع الذي تدل عليه المقابلة بين أمسنا ويومنا، وظلم للمستقبل؛ لأنه يثبط عزائم العاملين له، ويدخل اليأس على قلوب الآملين فيه، ومن دواعي التفاؤل أن سجل النهضة المصرية يدل على نجاح أدركناه ونجاح سندركه، إذا صدقت العزائم، واطرد المسير على الطريق المستقيم.
في هذه الصفحات التالية سجل النهضة التي نهضتها مصر على أثر الحرب العالمية الأولى، ويطيب لنا ونحن نقدمها أن نسأل: أين نحن اليوم؟ وأين كنا؟ فإذا بالجواب الواقع الذي تقرره شواهد العيان أننا تقدمنا ونرجو أن نتقدم، وأن التسوية بين مصر اليوم ومصر قبل ستين سنة أمنية لا يتمناها لمصر مصري رشيد؛ فإن الفارق البعيد بين ما كناه وما صرناه هو المقياس الصادق الذي تقاس به خطواتنا من أمس إلى اليوم، ونتمنى أن تستقيم في الغد إلى مدى أوسع جدا مما أدركناه.
كيف كانت مصر في مستهل الجهاد الذي تسجله هذه الصفحات؟
كانت الدولة كلها في قبضة «المندوب السامي»، أو قيصر قصر الدوبارة، يصرفها كيف شاء، ويتولى شئونها الداخلية والخارجية بغير حسيب ... وكان جيشها كله بقيادة «السردار» الإنجليزي الذي يثور ويسوق الأساطيل إذا هم بإصلاحه أمير أو وزير، وكانت كل وزارة في قبضة مستشارها الذي يأمر وينهى ويبرم وينقض بغير إرادة الوزير وبغير علمه في كثير من الأحيان، وكان كل إقليم في قبضة المفتش الإنجليزي الذي يختار الموظفين ويرشحهم للترقية أو للعزل من المدير إلى العمدة إلى الخفير، وكانت كل محكمة عليا لها قاض من قضاة الإنجليز، وكل محافظة في عواصم القطر الكبرى لها حكمدار من ضباط الإنجليز، وكان جيش الاحتلال من ورائهم يكظم منافس القاهرة والإسكندرية، ويقبض مرتباته من ميزانية الدولة المصرية، وكانت السياسة الاستعمارية تدير ميدان الاقتصاد المصري كأنه ديوان من دواوين الحكومة، فلا مصرف ولا شركة ولا مرفق من مرافق الثروة العامة بيد أحد من المصريين، وكل ما بيدهم ديون ثقيلة كأنها الأغلال في أيدي الأسرى والسجناء. وندع الفارق بين التعليم الذي تنفق عليه الدولة والأمة أقل من نصف مليون، والتعليم الذي تنفقان عليه أكثر من خمسين مليونا، فإن الأرقام تغني فيه عن الكلام.
ذلك مدى النجاح الذي أدركته مصر بنهضتها قبل ستين سنة، وإنها لسعيدة إذا تهيأت لها ستون سنة أخرى بمثل هذا الفارق العظيم بين ما نحن عليه اليوم وما نطمح إليه.
Unknown page