141

Sacat Bayna Kutub

ساعات بين الكتب

Genres

أو وهو يجمع قولي البحتري وأبي تمام في قوله:

لم يبق للأرض من سر تكاتمه

إلا وقد أظهرته بعد إخفاء

أبدت طرائف وشي من زواهرها

حمرا وصفرا وكل نبت غبراء

فالربيع زينة، والربيع حب، والربيع تعبير، بل ما الزينة، وما الحب إلا التعبير في لبابه، وإلا حسنا يريد أن يظهر، وسرا يهم أن يبوح ويتفشى، وحياة تود أن تمتد من حيزها إلى كل حيز يحملها إليه باعث الحياة ومعينها بالظهور والذيوع؟ •••

آخر من يعلن لك بشارة الربيع هم جماعة الفلكيين في تقاويم الفصول، فإن برنامج الموكب عندهم لا يسلم من التقديم والتأخير، وكل شيء أصدق من التقاويم في الرواية عن الطبيعية حتى الأفلاك التي يرصدها أولئك الفلكيون، وحتى أعشاب الأرض التي لا تلغو، وحتى العصافير التي لا تخلق إلا لتلغو وتهذر، وتتحدث بالمفيد وغير المفيد!

ففي صبيحة يوم من الأيام صحوت فإذا أنا أسمع من خمائل الجيرة أصداء طال عليها صمت الشتاء، ولم تنطق منذ أشهر بغير دعاء الحدأ والغربان التي لا يصمتها شتاء ولا صيف. عادت العصافير إلى التغريد والهذر فقد اختفى إذن شبح الشتاء العبوس، وانطلقت أطفال الطبيعة تلعب في غير خوف ولا انقباض، وهي إلى أن يرجع ذلك الشبح لن تكف عن اللعب واللغط، ولن تفتر عن الحركة والمراح، ولن تدع مكانا يحملها إليه الجناحان إلا أن نقلت إليه بشارة الربيع وصدحت فيه بأنشودة الحياة.

وكأنما كنت على انتظار هذه البشارة، وعلى مسمع منها قبل أن تهتف بها المناقير، فقد قضيت أواخر الشتاء أقرأ عن الطير مستعيضا بذكرها عن سماعها، فصحبت «بنيامين كد» في خلواته مع الطبيعة، وماشيت بوتر في عالم الموسيقى الآبدة ، وأصغيت مع إدوارد جراي إلى أغاريد الربيع والخريف، فكان ترحيبي بالبشارة ترحيب المنتظر المتشوف، وسماعي بالخبر كسماع الحالم أفاق من حلمه فرأى من كان يراه في منامه، أو كما يقول صديقنا شكري:

وكنت كراء في الكرى طيف جنة

Unknown page