Ruh Cazim Mahatma Ghandi
روح عظيم المهاتما غاندي
Genres
غاندي الزعيم.
وتهتاج الخواطر ما تهتاج وتتبيغ الدماء ما تتبيغ، ويفلت زمام العقول والأعصاب من قبضة العلية والدهماء على السواء، وغاندي على عهده في صدق الخصومة سرا وعلانية، وفي صدق الإيمان بسلاحه وصدق النفور من كل سلاح غيره، ولم يبح قط لنفسه أو لأحد من أعوانه أن ينسى المحبة في حركة واحدة يقابلون بها المعتدين عليهم، أو ينسى الصدق في كلمة واحدة يذكرونها عنهم. وأدهش البريطانيين بشدة حرصه على صدق الكلمة الواحدة في حادث - على الخصوص - كان أخلق الحوادث أن يطلق الألسنة بالاتهام في غير تمحيص وإحجام، وهو حادث امرتزار المشهور.
في الثالث عشر من شهر أبريل سنة 1919، وقعت أكبر وصمة في تاريخ الاستعمار البريطاني للهند، وهي مذبحة امرتزار وكانت هذه المذبحة أضخم خطأ تجمعت فيه أخطاء الإدارة والسلطة العسكرية في حساب السياسة، وحساب المبادئ الإنسانية، وحساب العرف والنظام.
كانت الهند كلها تشتعل بالسخط والغضب، وكان الهندوسيون والمسلمون على السواء على أشد النقمة من الحكومة البريطانية؛ لأنها أخلفت وعودها لهم، وناصبت الخلافة الإسلامية عداء صريحا في تأييدها هجوم اليونان على أرض الأناضول، بعد أن حارب المسلمون في صفوفها معتمدين على وعد قاطع منها ألا تمس الخلافة الإسلامية بعد هزيمة الجيوش التركية.
وخرج غاندي في رحلة سلمية يهدئ أبناء وطنه ويجمع الهندوسيين والمسلمين على خطته في اجتناب العنف وإهراق الدماء، فقبضت عليه الحكومة وأعادته إلى بومباي. وسرى الخبر في أرجاء الهند فوقعت بعض حوادث العدوان هنا وهناك وكانت «امرتزار» من المدن التي وقعت فيا هذه الحوادث ونهب فيها بعض الدور والدكاكين.
فوصل الجنرال «سير ميشل داير» إلى المدينة يسبقه إعلان - لم يعلم به أحد - بمنع الاجتماعات، وكان اليوم الثالث عشر من شهر أبريل موعد اجتماع ديني في ميدان محصور يسمى «جلنوالا باغ» فاعتقد الجنرال أن المجتمعين يتحدونه ويعصون أمره، فأمرهم مرة أخرى بالتفرق، فلم يستطيعوا أن يتفرقوا على عجل لأن المكان محصور، فأطلق عليهم مدافعه الرشاشة حتى نفذت ذخيرته، وقتل في هذا اليوم عدد عظيم من المجتمعين والمجتمعات يقدرهم بعضهم بأربعماية، ويبلغ به بعضهم أربعة أضعاف هذا العدد. ولم يكتف الجنرال بإهراق الدماء حتى أضاف إليه إذلال النفوس، فأمر ألا يعبر الهنود طرقا معينة إلا زحفا على الركب؛ لأنها الطرق التي أهينت فيها بعض السيدات خلال الحوادث التي وقعت قبل وصوله إلى المدينة.
إن الجريمة أفظع من أن يلتزم فيها أقل حيطة في الاتهام.
ولكن غاندي أبى - مع فظاعة الجريمة التي تغري بكل تهمة - أن يثبت في محضر التحقيق حرفا واحدا لا تقوم البينة القاطعة على ثبوته، فلما اجتمعت لجنة التحقيق الوطنية لكتابة تقريرها عن الحادث، ووردت فيه بعض الأقوال التي يؤخذ منها أن الجنرال «داير» تعمد أن يستدرج المجتمعين إلى الأماكن المغلقة التي ينالهم فيها الرصاص، أصر على حذف هذه الأقوال لأنها في رأيه «لا تعقل» ولم يقم عليها من الأدلة ما ينفي الشبهة عنها. ثم أصر في مؤتمر «امرتزار» الذي عقد عند نهاية السنة على استصدار قرار من المؤتمر كله باستنكار أعمال العنف التي وقعت من جمهرة الهنود في البنجاب والكوجرات، فصدر القرار على الرغم من معارضة كثير من أقوى الأعضاء لاقتراح غاندي، وعلى رأسهم «داس» ومؤيدوه.
ويشبه هذا الحادث في صدق الكلمة وأمانة العقيدة إعلانه وقف العصيان المدني على تبعته وحده بعد الهياج الذي انفجر في المدن الهندية لمناسبة زيارة ولي العهد الإنجليزي لمدينة بومباي (1921).
ففي ذلك الوقت كان رؤساء المؤتمر جميعا معتقلين أو مسجونين، وكان الطلقاء منهم على خطر من الاعتقال أو السجن، وكان غاندي يتولى رئاسة صحيفة «الهند الفتاة» التي كانت بمثابة صحيفة المؤتمر الرسمية، فقرر المؤتمر إسناد السلطة التنفيذية إليه في خلال هذه المحنة، واتفق الرأي على إعلان العصيان المدني فحدث على أثر إعلانه أن الدهماء ثاروا في «شورى شورا» وقتلوا في هذه الفتنة اثنين وعشرين من رجال الشرطة. فلم ينتظر غاندي حتى يجمع المؤتمر ويعرض عليه إعادة النظر في قراره، بل أعلن باسمه وحده وقف حركة العصيان المدني إلى أن يتهيأ سواد الشعب لفهم هذه الحركة وتنفيذها على وجهها المقصود: وهو المسالمة واجتناب كل عمل فيه عدوان على أحد من الحاكمين أو المحكومين، واشتدت الثورة عليه في المؤتمر من جراء هذا الإعلان الجريء، واقترح أحد الأعضاء توجيه اللوم إليه وناصره أعضاء آخرون، ولكنه عند أخذ الرأي لم يظفر بكثرة الأصوات.
Unknown page