كتاب الطهارة

Page 129

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.

(كتاب الطهارة) (وأركانه أربعة):

(الأول (1): في المياه) جمعه باعتبار تعدد أفراده، والمراد بها الأعم من الحقيقة والمجاز (والنظر في المطلق والمضاف والأسئار. أما المطلق) وهو ما يستحق إطلاق الاسم من دون توقف على الإضافة، ولا يخرجه عنه وقوع التقييد بها في بعض الأفراد (فهو) مطلقا (طاهر) في نفسه (مطهر (2)) له ولغيره بالكتاب والسنة والاجماع، قال الله تعالى: " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " (3) وقال أيضا: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " (4).

والمناقشة فيهما بأخصيتهما من وجهين (5) من حيث إن الماء فيهما مطلق فلا يعم جميع مياه السماء مع اختصاصهما بمائها فلا يعمان غيره، فلا يعمان المدعى مدفوعة (6) بورودهما في مقام الامتنان المناسب للتعميم - كما صرح به جمع - مضافا

Page 130

إلى عدم القول بالفصل، فيندفع به أحدهما ويندفع الآخر بالاجماع المزبور وبما (1) يستفاد من الكتاب والسنة من كون مياه الأرض بأجمعها من السماء، صرح به الصدوق في الفقيه (2) وغيره. قال الله تعالى: " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون " (3) وروى القمي في تفسيره عن مولانا الباقر - عليه السلام - قال: " هي الأنهار والعيون والآبار " (4) وقال تعالى أيضا: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه " (5) وقال تعالى أيضا: " هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر " إلى قوله: " ينبت لكم به الزرع " (6) فتأمل.

وفي الأخير بعدم جواز حمل الطهور على بابه من المبالغة في أمثاله: بناء على أن المبالغة في " فعول " إنما هي بزيادة المعنى المصدري فيه ك‍ " أكول " وكون الماء (7) مطهرا لغيره أمر خارج عن أصل المعنى، فلا بد أن يكون بمعنى الطاهر مدفوعة أيضا، إما بكون المراد منه المعنى الاسمي، أي " ما يتطهر به " الذي هو أحد معانيه، كما هو المشهور بين أهل اللغة - نقله جمع من الخاصة والعامة - وإن احتيج في وصفه به حينئذ إلى نوع تأويل. أو بكونه بمعنى " الطاهر المطهر " كما هو المصرح في كتب جماعة من أهل اللغة، كالفيومي وابن فارس - عن ثعلب - والأزهري وابن الأثير. ونقل بعض: أن الشافعية نقلت ذلك

Page 131

عن أهل اللغة، ونقله عن الترمذي وهو من أئمة اللغة. ويستفاد من الأول كون الأكثر عليه. بل وعن الشيخ كونه متفقا عليه بين أهل اللغة، قال: وليس لأحد أن يقول: إن الطهور لا يفيد في لغة العرب كونه مطهرا، لأنه خلاف على أهل اللغة، لأنهم لا يفرقون بين قول القائل: " هذا ماء طهور " و " هذا ماء مطهر " (1) ثم دفع القول بعدم كونه بمعناه - من جهة عدم تعدية اسم فاعله والمتعدي من الفعول في لغة العرب مستلزم لكونه فاعله كذلك - بعدم الخلاف بين النحاة في أنه موضوع للمبالغة وعدم حصول المبالغة على ذلك الوجه لا يستلزم عدم حصولها بوجه آخر، والمراد هنا باعتبار كونه مطهرا.

وبما ذكرنا يظهر ما في الاعتراض عليه بأنه إثبات اللغة بالترجيح، وذلك لأنه اعتمد حقيقة على اتفاق أهل اللغة، وإنما ذكر ذلك تعليلا بعد الورود، وغرضه في ذلك الرد على أبي حنيفة لانكاره ذلك معللا بما ذكر (2).

وإنكار وروده في كلام أهل اللغة بهذا المعنى - كما وقع لجماعة من متأخري الأصحاب - لا وجه له بعد ملاحظة ما ذكرنا، وخصوص صحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام - قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا، الحديث (3). مضافا إلى قولهم عليهم السلام - في تعليل الأمر بالتيمم: جعل الله التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (4).

ومما ذكرنا ظهر الدليل على أصل المطلب من جهة السنة. مضافا إلى قول مولانا الصادق - عليه السلام - فيما رواه المشايخ الثلاثة: الماء كله طاهر حتى

Page 132

تعلم أنه قذر (1).

وهذه الأدلة سوى الأخير عامة في ما ذكرنا من المطهرية لنفسه ولغيره.

إلا أنه ورد في بعض الأخبار: أن " الماء يطهر ولا يطهر " وهو مع الضعف بالسكوني - على الأشهر - وعدم المقاومة لما تقدم قابل للتأويل القريب، بحمله إما على أنه لا يطهره غيره، أو على حصول التطهير له مع بقائه على حاله، وهو في تطهيره به مفقود.

والمراد بمطهريته أنه مطلقا (يرفع الحدث) وهو الأثر الحاصل للانسان عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل المانع من الصلاة المتوقف رفعه على النية (ويزيل الخبث) مطلقا وهو النجس - بفتح الجيم - مصدر قولك: نجس الشئ ينجس فهو نجس (بالكسر) بالنص والاجماع.

(وكله) حتى ما كان عن مادة توجب عدم الانفعال بالملاقاة (ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه) الثلاثة المعروفة - أعني اللون والطعم والرائحة - بالاجماع والنصوص المستفيضة العامية والخاصية، دون غيرها - كالحرارة والبرودة - بلا خلاف عندنا على الظاهر، تمسكا بالأصل والعمومات واختصاص ما دل على التنجس به بما تقدم.

ويظهر من بعض نوع تردد في حصول النجاسة له بالتغير اللوني (3) لما تقدم واختصاص النصوص بما سواه. وهو ليس في محله، للاجماع ووقوع التصريح به في النبوي (4) المشهور المعتضد ضعفه في المقام بالاجماع وغيره من المعتبرة.

Page 133