بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده وصلى وسلم على من لا نبي بعده ما قولكم دام فضلكم في الحاكم الشرعي المولى من طرف مولانا السلطان الأعظم لتنفيذ الأحكام الشرعية في بلد الله الحرام إذا أمر بأداء صلاة العصر في وقت العصر الثاني وهو مصير الظل مثليه ومنع من أدائها في وقت العصر الأول وهو مصير الظل مثله بعد ظل الاستواء والمراد أنه منع من أدائها جماعة في المسجد الحرام وحكم بذلك هل يكون حكمه واجب الاتباع ولا يجوز مخالفته على قول الإمام الهمام الشافعي ويرتفع الخلاف بحكم الحاكم الشرعي والحال ما ذكر أفتونا مأجورين اللهم إني أسألك هداية للصواب إعلم رحمك الله أن أئمتنا الشافعية رحمهم الله ذكروا شروطا لحكم الحاكم الشرعي الذي لا يجوز نقضه ويرتفع به الخلاف منها أن يبنى على دعوى وجواب فلو كان بغير سبق دعوى لم يكن حكما بل هو إفتاء مجرد وهو لا يرفع الخلاف ومنها كما في شرح الروض لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله أن لا تظهر الأخبار والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في خلاف

Page 2

حكمه بحيث يبعد فيها التأويل ومسألة صلاة العصر عند مصير الظل مثله قد كثرت فيها الأحاديث الصحيحة واعتمدها الأئمة وتواتر العمل بها في الأعصار والأمصار وقد ذكر أئمتنا كثيرا من تلك الأحاديث التي استدل بها القائلون بأن وقت العصر عند مصير الظل مثله ولنذكر بعضا مما ذكروه فمن ذلك حديث عائشة رضي لله عنها الذي رواه البخاري ومسلم وبقية أصحاب السنن وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفئ من حجرتها وهو مروي بروايات لا حاجة إلى الإطالة بذكرها قال النووي في شرح مسلم ومعناها كلها التبكير بالعصر في أول وقتها وهو حين يصير ظل كل شئ مثله وكانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث يكون طول جدارها أقل من مساحة العرصة بشئ يسير فإذا صار ظل الجدار مثله دخل وقت العصر وتكون الشمس بعد في أواخر العرصة لم يقع الفئ في الجدار الشرقي وكل الروايات محمولة على ما ذكرناه قال الزرقاني في شرح الموطأ وحديث عائشة رضي الله عنه يشعر بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة العصر في أول الوقت وروى مسلم في صحيحه من رواية سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتي العوالي والشمس مرتفعة ورواه أيضا كثير من أصحاب السنن قال الزرقاني والعوالي مختلفة المسافة فأقر بها إلى المدينة ما كان على ميلين أو ثلاثة ومنها ما يكون على ثمانية أميال ومثل حديث أنس هذا مروي عند الطبراني من حديث جابر وعند الدارقطني من حديث محمد بن جارية وعند أبي يعلى من حديث البراء بن عازب وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعصر فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله انا نريد أن ننحر جزورا لنا ونحب أن تحضرها قال نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ

Page 3

منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس وفي رواية لمسلم أيضا عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ننحر الجزور فتقسم عشر قسم ثم نطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس وروى الإمام مالك في الموطأ والبخاري في صحيحه حديث إنكار أبي مسعود الأنصاري على المغيرة بن شعبة في تأخيره صلاة العصر لما كان أميرا على الكوفة ورواه ابن خزيمة والطبراني وفيه فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس وروى الإمام مالك في الموطأ أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عماله أن يصلوا العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسيرا الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس قال النووي في شرح مسلم والمراد بهذه الأحاديث المبادرة بصلاة العصر أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين أو ثلاثة والشمس لم تتغير إلا إذا صلى العصر حين كان ظل الشئ مثله ثم قال وفي هذه الأحاديث دليل لمذهب جمهور العلماء إن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شئ مثله وقال الإمام الترمذي في جامعه أن تعجيل صلاة العصر هو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس رضي الله عنهم وغير واحد من التابعين إذا علمت ذلك تعلم أن الحكم بالمنع من صلاة العصر وقت مصير الظل مثله جماعة أو فرادى من المسجد الحرام أو غيره مخالف لهذه الأحاديث فلا يرتفع به الخلاف بل لا ينفذ لا سيما وعمل الناس في الأعصار والأمصار بدخول وقت العصر عند مصير الظل مثله فإذا لم يكن هو الراجح يكون عمل الناس في الأعصار والأمصار جاريا على مرجوح مع توفر وجود العلماء في كل عصر وفي كل مصر وهذا لا يعقل وأيضا إن قاضي الشرع الشريف إنما أقامه مولانا السلطان لتنفيذ الأحكام الشرعية لا لمثل الحكم في هذه القضية لا سيما وأهل الآستانة العلية التي هي محل الخلافة السنية يصلون في العصر الأول كبقية أمصار الإسلام فكيف يعقل أن مولانا السلطان يأذن للقاضي في أنه يجعل أهل مكة مخالفين لأهل الآستانة العلية وبقية الممالك الإسلامية

Page 4

فإن ذلك يؤدي إلى الافتراق وعدم الاتحاد بخلاف ما إذا كان أهل الممالك الإسلامية على سنن وطريق واحد فإن ذلك موجب للاتحاد واتفاق الكلمة وائتلاف القلوب والرفق بجميع المسلمين وأيضا ما زالت الدولة العلية تراعي أهل المذاهب الأربعة في تأدية دياناتهم على مذاهبهم لا سيما في الحرمين الشريفين فكيف يليق أن يأمروا الآن بالعمل بخلاف مذاهبهم وأيضا يلزم من إلزامهم بالعمل بالعصر الثاني حصول محذور كبير وهو أن بعض الملحدة قد يتكلم ويشيع أن أهل مكة أفسدوا على المسلمين دينهم حيث إنهم أفسدوا صلاة العصر لبقية أهل الإسلام التي كانت تصلي قبل دخول وقت العصر الثاني وأيضا القول بالعصر الثاني وإن كان ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم رضي الله عنه لكنه له قول آخر موافق للأئمة الثلاثة وهو القول بالعصر الأول واختاره كثير من أصحابه لآخذين عنه ورجحه كثيرون منهم كما في الدار المختار قال وعليه عمل الناس وبه يفتي والذي حمل الناس في الأعصار والأمصار على العمل بالعصر الأول أن أحاديثه كثيرة صحيحة وفي العمل به رفق بالناس وفي العصر الثاني اختلاف كثير بين العلماء في المذاهب فمن العلماء من يقول يكره التأخير إليه ومنهم من يقول يحرم التأخير إليه ومنهم من يقول يخرج به وقت العصر وقولهم إن ظاهر الرواية مرجح مقيد عندهم بما إذا لم يصحح مقابله وقد صحح القول بالعصر الأول كثيرون منهم وقالوا وبه يفتى ومقيد أيضا بما إذ لم يكن عمل الناس على خلافه وهنا عمل الناس على خلاف العصر الثاني وكذلك قولهم يقدم قوله على قول الصاحبين قيده أهل مذهبه بما إذا لم يكن عمل الناس على قولهما وإلا فيقدم قولهما على قوله كما قالوه في وقت العشاء أن قول الإمام يدخل وقت العشاء بمغيب الشفق الأبيض وله أدلة قوية في ذلك وقال الصاحبان يدخل وقت العشاء بمغيب الشفق الأحمر فقدموا قولهما على قوله وقالوا إن عمل الناس على قولهما وقالوا بمثل ذلك في المزارعة فإنه لا يقول بها وقال بها الصاحبان فقدموا قولهما على قوله وعللوا ذلك بأن عمل الناس عليه وقال كثير منهم بمثل ذلك في صلاة العصر وأما ترجيح العلامة ابن نجيم

Page 5

للقول بالعصر الثاني فإنه مخالف لعمل الناس وكلامه متناقض حيث اعترف بأنه يقدم قولهما إذا كان عمل الناس عليه فكيف يرجح قول الإمام وعمل الناس على خلافه وفي شرح العلامة العيني وهو من أكابر علماء الحنفية على صحيح البخاري اعتراض على النووي حيث قال في شرح مسلم وقال أبو حنيفة لا يدخل أي وقت العصر حتى يصير ظل كل شئ مثليه فتعقبه العلامة العيني في شرحه المذكور بأن الحنفية لم يقولوا بذلك وإنما هو رواية أسد بن عمرو وحده عن أبي حنيفة وروى الحسن عنه أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر واختاره الطحاوي فهذا الكلام من الإمام العيني أقل ما يدل عليه أنه يرجح القول بأن وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله وقد وقفت على سؤال وجواب لمولانا العالم الفاضل الشيخ محمد أمين البالي الحنفي مفتي المدينة المنورة الآن على ساكنها أفضل الصلاة والسلام أفتى فيه بترجيح العمل بالعصر الأول ونصهما ما قولكم ساداتنا علماء الحنفية هل المعتمد المفتى به في مذهب سيدنا الإمام الأعظم هو رواية العصر الأول التي نحاها أصحابه الأربعة وعليها عمل جميع مراكز أهل الإسلام وهي الأرفق بالعباد أو رواية العصر الثاني أو هما بمرتبة واحدة في الاعتماد والصحة في الفتوى والعمل المسألة واقعة حال أفتونا مأجورين (الجواب) (باسم ممد الكون أستمد التوفيق والعون) حيث الحال كذلك فرواية العصر الثاني قول الإمام وهو الصحيح والمختار وظاهر الرواية ورواية العصر الأول قول الصاحبين ورواية عن الإمام وهو قول زفر والأئمة الثلاثة وبه يفتي وهو الأظهر وبه نأخذ وعليه العمل واستظهر صاحب رد المختار أن الكلمتين الأخيرتين مساويتان للفظ الفتوى وأنت خبير بأن لفظ الفتوى مرجح على غيره من ألفاظ التصحيح كما في رسم المفتى والمسألة مبسوطة في معتمدات المذهب وحيث كان قولهما

Page 6