والكلام عن التصوف؛ يدعونا إلى أن نتكلم عن ديانته؟
من الواضح أن عقلا كبيرا مثل عقل سقراط لا يمكن أن يستسلم لأي عقيدة - دينية أو غير دينية - بغير مناقشة. ولهذا فقد كان عليه بالطبع أن يناقش الديانات التي كانت شائعة في أثينا في ذلك الوقت ليتخير الأصلح منها.
ولقد كانت الديانات السائدة في أثينا في أيامه ثلاثا: الديانة الأورفية، والديانة العلمية الفلسفية، ثم الديانة القائمة على الأساطير، وهذه كانت أكثرها انتشارا، غير أنه يمكننا القول، أن هذه الديانات بمذاهبها المختلفة لم تقنع سقراط فهجرها برما بها، وشق طريقا جديدا هو «أن يعلم الناس كيف يمارسون حياتهم وكيف يعاملون غيرهم»، ووجد أن هذه أفضل ديانة «مؤقتا».
ويمكننا أن نقرر كذلك أن «سقراط» أول من اعتنق مبدأ «خلود الروح»، وأنه أول من ذكر كلمة الروح
soul ، وأنه أول من جعل لها معنى بأنها الشيء الذي يحتوي صفاتنا الذهنية والخلقية، ولذلك سميت فلسفته بحق «الفلسفة الأخلاقية».
وقبل أن ننتقل إلى المرحلتين الثانية والثالثة من حياته، يجدر بنا أن نقول: إن وقت هذه المرحلة الأولى قد يتفق مع الوقت الذي حدثت فيه معجزة دلف قبل حرب البلوبونيز بين أثينا واسبارطة، فقد اجتمع أهل اليونان في معبد دلف لتحية الأرباب وسؤالهم عما يهمهم، والاستعانة بهم في قضاء حوائجهم، وأخذت الكاهنات يجبن على هاته الأسئلة، وحدث أن وجه «سيروفون» سؤالا إلى الإله «أبولو» عمن هو أحكم الحكماء؟ فأجاب على لسان إحدى الكاهنات: «سقراط».
أما «سقراط»، فقد اعترته أزمة نفسية عنيفة؛ إذ استغرب أمر هذه المعجزة، ومضى يبحث عن دليل صدقها، فأخذ يبحث عن الحكمة بين جميع الطبقات حتى تأكد لديه صدق هذه النبوءة.
ثم حدثت له أزمة أشد إذ أخذ يسأل نفسه أسئلة ليجيب عنها: - لماذا نطقت الكاهنة بهذا الحديث؟ - عليه رسالة يجب أن يؤديها. - أي رسالة بالضبط؟ - أن يتعهد الإنسان روحه ويسهر عليها وينظفها.
إذن فهو مكلف برسالة، فاندفع يؤديها بأمانة حتى وفاته.
والمرحلة الثانية: هي - كما سبق القول - المرحلة التي قامت فيها الحرب بين أثينا واسبارطة، ولقد كان سقراط جنديا في هذه الحرب، وتاريخه العسكري رائع مشرف، ولما عاد أخذ يسأل كل شخص: ما حال الفلسفة في أثينا؟ وما حال شباب هذا البلد؟ •••
Unknown page