Risalatan Fi Taslim Al-Bint Ila Al-Ab Aw Al-Am
رسالة في تسليم البنت إلى الأب أو الأم
Investigator
سعد الدين بن محمد الكبي
Publisher
مكتبة المعارف
Edition Number
الأولى
Publication Year
1431 AH
Publisher Location
الرياض
Genres
رسالة في تسليم
البنت إلى الأب أو الأم
الحضانة
تأليف شيخ الإسلام
أبي العباس أحمد بن تيمية الحراني
رحمه الله تعالى
حققه وعلق عليه
د/ سعد الدين بن محمد الكبي
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
لصاحبها سعد بن عبد الرحمن الراشد
الرياض
1
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر، فلا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه أو تسجيله بأية وسيلة، أو تصويره أو ترجمته دون موافقة خطية مسبقة من الناشر.
الطبعة الأولى
١٤٣١ هـ = ٢٠١٠ م
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ١٤٣١ هـ
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم
ردمك: ٨-٢٧-٨٠٢٨-٦٠٣-٩٧٨
رقم الإيداع: ١٤٣٠/٤٧٣٤
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
هاتف: ٤١١٤٥٣٥ - ٤١١٣٣٥٠
2
مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد،
فإن حضانة الطفل وبيان من أحق به، وإلى متى تستمر، وشروط الحاضن، وما إلى ذلك، مباحث مهمة، طرقها الفقهاء في كتبهم، وبينوا فيها مذاهبهم وطرائقهم في إثبات ذلك مع بيان العلل والحكم فيما ذهبوا إليه، وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا البحث على طريقته في العرض والمناقشة، والترجيح، مع شيء من التوسع والاستطراد، فجاء بحثه مستوفياً لهذه المادة، وتلك المسألة، فجزاه الله خير الجزاء.
وقد وجدت هذا البحث مخطوطاً في خزانة مركز المخطوطات والتراث والوثائق في دولة الكويت، وهو منقول عن دار الكتب الظاهرية في دمشق.
وهذا البحث موجود في جملة كتاب (مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله تعالى) الذي جمعه فضيلة الشيخ عبد الرحمن وابنه محمد رحمهما الله، ومطبوع في المجلد الرابع والثلاثين، من الصفحة رقم (١١١) لغاية الصفحة رقم (١٣٢).
3
وقد رأيت أن أفرده في كتاب مستقل، لأهميته، وتسهيل الانتفاع به، فكان عملي فيه على النحو التالي:
نسخ المخطوط.
مقابلة المخطوط على المطبوع ضمن كتاب الفتاوى مع إثبات الاختلاف بين المخطوط والمطبوع في الحاشية مع التصويبات.
تحقيق المخطوط، بعزو الأقوال، وتخريج الآيات والأحاديث، وترجمة الرجال.
كتابة تمهيد للرسالة بمثابة مدخل إليها، اشتمل على تعريف الحضانة وبيان سببها ومقتضاها، والمستحقين للمحضون، وشروط الحاضن، وما إلى ذلك.
ترجمة موجزة عن حياة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، مؤلف هذه الرسالة.
هذا ما قمت به من حيث الجملة فإن وفقت فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك، فمن تقصيري والشيطان، وأستغفر الله.
وفي الختام، أسأل الله أن ينفع بهذا البحث، كاتبه، ومحققه، وطابعه، وقارئه، فإنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
4
مدخل الدراسة
يعتبر هذا البحث الذي كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، من كتاب الفقه، وهو يتعلق بباب الحضانة، ومن أولى بحضانة الابن والبنت، الأب أو الأم، وتفصيل القول في ذلك.
وسأذكر في هذه الدراسة تعريف الحضانة، وسببها، ومقتضاها، وشروط الحاضن، وترتيب المستحقين للحضانة، في الفقه الإسلامي وإلى متى تستمر، مع بيان أقوال الفقهاء في ذلك، من أجل توضيح المسألة وما يتعلق بها، وليدخل القارئ إلى كلام شيخ الإسلام بنوع من الاطلاع المسبق على الموضوع، لاسيما وأن كلام شيخ الإسلام مستفيض ويستطرد أحياناً في المسائل.
تعريف الحضانة:
الحضانة في اللغة: مصدر حضن، ومنه حضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وحضنت المرأة صبيها إذا جعلته في حضنها أو ربَّته، والحاضن والحاضنة: الموكلان بالصبي يحفظانه ويربيانه.
5
ويقال: حضن الصبي يحضنه حضناً: رباه(١).
قال في البحر الرائق(٢): الحضانة بكسر الحاء وفتحها: تربية الولد. والحاضنة: المرأة توكل بالصبي فترفعه وتربيه، وقد حضنت ولدها حضانة من باب طلب، وحضن الطائر بيضه حضناً إذا جثم عليه بكنفه يحضنه.
والحضن ما دون الإبط.
وجاء في الكواكب الدرية(٣): الحضانة مأخوذة من الحضن بكسر الحاء، وهو الجنب، لأن الحاضنة تضم الطفل إلى جنبها.
والحضانة اصطلاحاً: حفظ الولد في مبيته، ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه(٤).
وفي تعريف آخر تربية من لا يستقل بأموره بما يصلحه ويقيه عمّا يضره ولو كبيراً أو مجنوناً، كأن يتعهد بغسل جسده وثيابه، ودهنه، وكحله، وربط الصغير في المهد وتحريكه لينام(٥).
(١) انظر: لسان العرب، والمصباح المنير، مادة: حضن.
(٢) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٤/ ٢٨٠).
(٣) الكواكب الدرية في فقه المالكية، د. محمد جمعة عبد الله (٢/ ٢٩٥).
(٤) المصدر السابق.
(٥) الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للخطيب الشربيني (٢/ ٣٨٥).
6
سبب الحضانة:
لا يختلف الفقهاء في أن سبب الحضانة، الفرقة بين الزوجين، وهذه أقوال الفقهاء في ذلك:
قال في البناية في شرح الهداية(١): إذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد.
وقال في المهذب(٢): إذا افترق الزوجان ولهما ولد.
وقال في الإقناع(٣): إذا فارق الرجل زوجته بطلاق أو فسخ أو لعان، وله منها ولد لا يميز، ذكراً أو أنثى أو خنثى.
وقال في المغني(٤): وجملته أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أو معتوه، فأمه أولى الناس بكفالته، إذا كملت الشرائط فيها، ذكراً كان أو أنثى.
مقتضى الحضانة:
مقتضى الحضانة حفظ المحضون وإمساكه عمّا يؤذيه، وتربيته لينمو، وذلك بعمل ما يصلحه، وتعهده بطعامه وشرابه، وغسله، وغسل ثيابه، ودهنه، وتعهد نومه ويقظته(٥).
(١) البناية شرح الهداية، محمود بن أحمد العيني (٤٧١/٥).
(٢) المجموع شرح المهذب (٣٢٠/١٨).
(٣) الإقناع الخطيب الشربيني (٢/٢٨٥).
(٤) المغني لابن قدامة المقدسي (١١/٤٠٣).
(٥) الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية (١٧/٣٠١).
7
محل الحضانة في التشريع الإسلامي لمن كان دون سن البلوغ:
والحضانة في التشريع الإسلامي للصغير دون البالغ الرشيد، فقد ذكر الفقهاء أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد بالغ رشيد فله أن ينفرد عن أبويه لأنه مستغن عن الحضانة والكفالة، وإليه الخِيَرَةَ في الإقامة عند من شاء من أبويه، فإن كان رجلاً فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما ولا يقطع برّه عنهما. وإن كانت جارية، لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه، لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب فلوليِّها وأهلها منعها من ذلك(١).
إذن، فمحل الحضانة من كان دون سن البلوغ، أو كان مجنوناً أو معتوهاً، لأنه لو تركت حضانتهم ضاعوا وهلكوا(٢).
(١) المجموع شرح المهذب (١٨/٣٢٠) والمغني لابن قدامة المقدسي (١١/٤١٤).
(٢) نفس المصدر.
8
من أحق بالطفل:
الحضانة في التشريع الإسلامي تكون للنساء والرجال من المستحقين لها إلا أن النساء يقدَّمن على الرجال، لأنهن أشفق وأرفق، وبها أليق وأهدى إلى تربية الصغار، ثم تصرف إلى الرجال لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر(١).
وحضانة الطفل تكون للأبوين إذا كان النكاح قائماً بينهما، فإن افترقا فالحضانة لأم الطفل باتفاق أهل العلم، لما ورد أن امرأةً أتت رسول اللّه ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أن ينزعه مني، فقال: ((أنت أحق به ما لم تتكحي)»(٢).
وهذا محل اتفاق بين أهل العلم لا خلاف فيه ، باعتبار أن الطفل في هذا السن يحتاج إلى الأم لإرضاعه والقيام على شؤونه وغير ذلك، والأم بعاطفتها وشعورها بالأمومة أقدر وأجدر في ذلك.
(١) بدائع الصنائع للكاساني (٤١/٤).
(٢) رواه أبو داود (٢٢٧٦) باب من أحق بالولد من كتاب الطلاق.
9
شروط الحاضن:
لاستحقاق الحضانة لا بد من توفر شروط في الحاضن فإن لم يكن الحاضن مستجمعاً للشروط، تنتقل إلى من يليه في الاستحقاق، ولبيان هذه الشروط أذكر أقوال الفقهاء من مصادرهم:
الحنفية(١):قالوا: يشترط في الحاضنة أن تكون حرة، بالغة، عاقلة، أمينة، قادرة، خالية من زوج أجنبي. ويشترط في الذكر أن يكون كذلك ما عدا الشرط الأخير (الزواج).
المالكية(٢): هناك شروط مشتركة بين الذكر والأنثى، وشروط خاصة بكل منهما.
فالشروط العامة في الذكر والأنثى ستة، وهي:
العقل، فلا حضانة لمجنون.
الكفاءة، فلا حضانة لمن لا قدرة له على صيانة المحضون، كمسنَّة.
الأمانة في الدين، فلا حضانة لسكير، أو مشتهر بالزنا، أو اللهو الحرام.
(١) البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، لابن نجيم الحنفي (٢٨٠/٤).
(٢) الكواكب الدرية في فقه المالكية، د. محمد جمعة عبد الله (٢٩٧.٢٩٦/٢).
10
٤- أمن المكان، فلا حضانة لمن بيته مأوى للفساق، أو بجوارهم بحيث يخشى منهم على البنت الفساد أو سرقة مال المحضون، أو غصبه.
٥- الرشد، فلا حضانة لسفيه مبذر، لئلا يتلف مال المحضون، أو ينفق عليه منه ما لا يليق.
٦- أن يكون خالياً من الأمراض المرة التي يخشى حدوث مثلها في الولد، فلا حضانة لمن به جذام مضر أو برص.
وشرطان مختصان بالذكر وهما:
أن يكون عنده من يحضن الطفل من الإناث كزوجة وأم، لأن الرجال لا قدرة لهم على أحوال الأطفال كما للنساء.
أن يكون محرماً لمطيقة، كأب أو أخ أو عم، وإلا فلا حضانة ولو كان مأموناً.
وشرطان مختصان بالأنثى وهما:
أن تكون خالية من زوج أجنبي من المحضون دخل بها، لاشتغالها بأمر زوجها، فإذا لم يدخل بها لم تسقط حضانتها.
أن لا تسكن مع من سقطت حضانتها، فلا حضانة للجدة إذا سكنت مع بنتها أم الطفل إذا تزوجت إلا إذا انفردت بالسكن عنها.
11
الشافعية(١): قالوا شرائط استحقاق الحضانة:
العقل، فلا حضانة لمجنون لأنه لا يتأتى منه الحفظ والتعهد.
الحرية، فلا حضانة لرقيق ولو مبعضاً، لأنه مشغول بخدمة سيده، ولو أذن له سيده لأنه قد يرجع عن إذنه.
الدين، أي الإسلام، فلا حضانة لكافر على مسلم، لأنه ربما فتنه في دينه، ولكن تثبت الحضانة للمسلم على الكافر، وللكافر على الكافر.
العفة، وهي الكف عما لا يحل.
الأمانة، وهي ضد الخيانة، فلا حضانة لفاسق لأنه ينشأ على طريقته، وتكفي العدالة الظاهرة.
الإقامة في بلد الطفل، فلو أراد سفراً فالمقيم أولى بالولد مميزاً كان أو لا.
خلو الحضانة من زوج، فلا حضانة لمن تزوجت وإن لم يدخل بها.
أن لا تسلم مشتهاة لغير محرم كابن عم حذراً من الخلوة المحرمة.
(١) المجموع شرح المهذب (١٨/٣٢٠ - ٣٢١) والإقناع للشربيني (٢/٣٨٨ - ٣٩١).
12
٩- أن تكون الحاضنة مرضعة للطفل إن كان رضيعاً.
١٠- أن لا يكون به مرض دائم كالسل والفالج، لأنه يشغله تألمه عن كفالته.
١١- أن لا يكون أبرصاً ولا أجدماً.
١٢- أن لا يكون أعمى.
١٣- أن لا يكون مغضلاً.
١٤- أن لا يكون صغيراً لأنه ليس من أهل الولاية.
الحنابلة(١): قالوا:
١ و٢- لا تثبت الحضانة لطفل ولا معتوه لأنه لا يقدر عليها.
٣- ولا فاسق لأنه غير موثوق.
٤- ولا الرقيق لانشغاله بسيده.
٥- ولا لكافر على مسلم.
٦- ولا لمتزوجة بأجنبي من المحضون.
٧- إذا سافر الحاضن فالمقيم أحق بالحضانة.
الترجيح في حضانة الكافر:
والراجح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من اشتراط الإسلام في الحضانة، وأنه لا حضانة لكافر، لأن المقصود
(١) انظر المغني لابن قدامة (٤١٢/١١ -٤١٢) ومنار السبيل (٢١٢/٢).
13
من الحضانة الحفظ والصيانة، وأهم ما يحفظ به الطفل، الدين، ولأن الحضانة إذا لم تثبت للفاسق فالكافر أولى، فإن ضرره أكثر، فإنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر، وتزيينه له، وتربيته عليه، وهذا أعظم الضرر.
وأما الحديث الذي ورد أن النبي ﷺ: «خيَّر غلاماً بين أبويه»(١) قال عنه ابن تيمية رحمه الله: هي قضية معينة، ولم يرد عنه نص عام في تخيير الولد مطلقاً(٢). وقال ابن قدامة في تخيير الجارية: يحتمل أن النبي ﷺ علم أنها تختار أباها بدعوته(٣).
خلاصة القول في شروط الحاضن:
وخلاصة القول في شروط الحاضن، الحفظ والرعاية والصيانة في الدين والدنيا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(١) رواه الترمذي (١٣٥٧) وقال حسن صحيح، وانظر سنن أبي داود (٢٢٧٧).
(٢) الفتاوى (٣٤ / ١١٦).
(٣) المغني (١١ / ٤١٣).
14
لو قدَّرنا أن الأب ديوث لا يصونه، والأم تصونه، لم نلتفت إلى اختيار الصبي، فإنه ضعيف العقل قد يختار أحدهما لكونه يوافق هواه الفاسد، ويكون الصبي قصده الفجور، ومعاشرة الفجار، وترك ما ينفعه من العلم والدين والأدب والصناعة، فيختار من أبويه من يحصل له معه ما يهواه، والآخر قد يرده ويصلحه، ومتى كان الأمر كذلك، فلا ريب أنه لا يمكن من يفسد معه حاله(١).
ترتيب المستحقين للحضانة:
لقد رتب الفقهاء المستحقين للحضانة بما فهموه من نصوص الشريعة، باعتبار من هو الأقرب والأرحم بالطفل المحضون، وبناءً على ذلك حصل خلاف بين الفقهاء في ذلك، وسأعرض أقوال الفقهاء بالترتيب:
الحنفية(٢): قالوا الأحق بالحضانة الأم، ثم أم الأم ـ لأنها تسمى أماً - ثم أم الأب وإن علت، ثم الأخوات وتقدم الأخت لأبوين، ثم الأخت من الأم ثم الأخت من الأب، ثم الخالات ثم العمات.
(١) الفتاوى لابن تيمية ( ٣٤ / ١٢١).
(٢) انظر البناية في شرح الهداية (٤٧١/٥).
15
وكل من تزوجت من هؤلاء يسقط حقها، ومن سقط حقها بالتزوج يعود إذا ارتفعت الزوجية، لأن المانع قد زال. فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجال فأولاهم به أقربهم تعصيباً.
والمراد بقولهم أقربهم تعصيباً أي من يرثه أولاً، فيقدم الأب على الجد، ويقدم الجد على الأخ، ويقدم الأخ الشقيق على الأخ لأب، ويقدم الأخ لأب على العم وهكذا.
المالكية(١): قالوا الأحق بالطفل الأم ولو كافرة، ثم أم الأم، ثم جدة الأم وإن علت، ثم خالة المحضون، ثم خالة أم المحضون، ثم عمة أمه، ثم جدته لأبيه، ثم أبوه، ثم أخته، ثم عمته، ثم عمة أبيه، ثم خالة أبيه، ثم بنت أخيه، ثم بنت أخته، ثم الوصي، ثم الجد للأب، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم، ثم المولى الأعلى (وهو من أعتق المحضون) فعصبته نسباً.
ويقدم من العصبة: الشقيق ثم لأم ثم لأب في الجميع، لأن ما كان في جهة الأم أشفق.
(١) الكواكب الدرية في فقه المالكية (٢/٢٩٦) وانظر القوانين الفقهية لابن جزي (١٤٩) مختصراً.
16
ويقدم في المتساويين، كأختين، وخالتين، وعمتين، أكثرهما صيانة وشفقة فإن تساويا في ذلك فالأسن.
الشافعية(١): قالوا الأحق بالطفل الأم ما لم تنكح إلى سبع سنين، ثم بعد الأم أمهات الأم لها وارثات فتخرج أم أب الأم لأنها أدلت بذكر فهي غير وارثة - تقدم القربى فالقربى، ثم أمهات الأب، ثم الأخت لأنها أقرب من الخالة، ثم الخالة لأنها تدلي بالأم، ثم بنت أخت، ثم بنت أخ، ثم عمة. وتقدم أخت وخالة وعمة لأبوين عليهن لأب، وتقدم أخت وخالة وعمة لأب عليهن لأم.
الحنابلة(٢): قالوا الأحق بالحضانة الأم لشفقتها، ثم أمهاتها القربى فالقربى، لأنهن في معنى الأم قال الإمام أحمد: وقد قضى أبو بكر على عمر رضي الله عنهما أن يدفع ابنه إلى جدته وهي بقباء وعمر بالمدينة.
ثم الأب لأنه أصل النسب وأحق بولاية المال. ثم أمهاته لأنهن يدلين بعصبة قريبة، ثم الجد لأب لأنه في معنى الأب. ثم أمهات الجد، القربى فالقربى لإدلائهن بعصبة، وثم
(١) الإقناع للخطيب الشربيني (٢/٣٨٥).
(٢) منار السبيل لابن ضويان (٣١٠/١٢ - ٣١٢).
17
الأخت لأبوين، لقوة قرابتهما ومشاركتهما في النسب، ثم الأخت لأم لإدلائها بالأم كالجدات، ثم الأخت لأب. ثم الخالة لأبوين ثم الخالة لأم ثم الخالة لأب.
وفي رواية عن الإمام أحمد أن الخالة تقدم على الأب لقوله: الخالة بمنزلة الأم(١).
ثم العمات لأبوين، ثم لأم ثم لأب، ثم خالات أمه، ثم خالات أبيه، ثم عمات أبيه، لأنهن نساء من أهل الحضانة، فقدمن على من بدرجتهن من الرجال، كتقديم الأم على الأب. ثم بنات إخوته وأخواته، ثم بنات أعمامه وعماته. ثم الباقي العصبة الأقرب فالأقرب.
ما ذهب إليه الإمام الشوكاني:
وقد ذهب الإمام الشوكاني إلى أن الطفل بعد الأم من حق الأب، قال: وإن لم يرد بذلك دليل يخصه، لكنه قد استفيد من مثل قوله ﷺ للأم: أنت أحق به ما لم تتنكحي(٢) فإن هذا يدل على ثبوت أصل الحق للأب بعد الأم ومن هو بمنزلتها وهي الخالة، وكذلك إثبات التخيير
(١) رواه البخاري (٢٦٩٩).
(٢) رواه أحمد (٢/١٨٢) وأبو داود (٢٢٧٦) وهو حديث حسن.
18
بينه وبين الأم في الكفالة، فإنه يفيد إثبات حق له في الجملة(١).
تعقب الشيخ صديق حسن خان القنوجي:
وقد تعقب الشيخ صديق حسن خان القنوجي على الإمام الشوكاني فقال: الحق أن الحضانة للأم ثم للخالة، ولا حضانة للأب ولا لغيره من الرجال والنساء إلا بعد بلوغ الصبي سن التمييز، فإن بلغ إليه ثبت تخييره بين الأم والأب، وإذا عُدما كان أمره إلى أوليائه إن وجدوا، وإلا كان إلى قرابته الذين ليسوا بأولياء، ويقدم الأقرب فالأقرب(٢).
إلى متى تستمر الحضانة مع الأم:
اختلف الفقهاء إلى متى تستمر الحضانة مع الأم، أو المستحق له من النساء، ومتى تنتقل إلى الأب.
الحنفية(٢): فذهب الحنفية إلى أن الأم والجدتين أحق بالغلام حتى يستغني عنهن فيأكل وحده، ويشرب وحده،
(١) انظر الروضة الندية شرح الدرر البهية، صديق حسن خان القنوجي (٢ / ١٨٤).
(٢) الروضة الندية شرح الدرر البهية للشوكاني (٢ / ١٨٥).
(٢) انظر بدائع الصنائع للكاساني (٤/ ٤٢ - ٤٣).
19
ويلبس وحده، ويستنجى وحده، وذكر بعضهم حد ذلك بسبع سنين. وأما البنت فحتى تحيض، وعن محمد: حتى تبلغ.
قالوا: وإنما اختلف الغلام عن الجارية، لأن القياس أن تتوقف الحضانة بالبلوغ في الغلام والجارية لأنها ضرب ولاية تثبت للأم فلا تنتهي إلا بالبلوغ كولاية الأب في المال. إلا أنَّا تركنا القياس في الغلام بإجماع الصحابة لما روينا أن أبا بكر الصديق قضى بعاصم بن عمر رضي الله عنهما لأمه ما لم يشب عاصم أو تتزوج أمه، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد من الصحابة. فتركنا القياس في الغلام بإجماع الصحابة فبقي الحكم في الجارية على أصل القياس، ولأن الغلام إذا استغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بأخلاق الرجال وتحصيل أنواع الفضائل، واكتساب أسباب العلوم، والأب على ذلك أقوم وأقدر. مع أنه لو ترك في يدها لتخلق بأخلاق النساء وتعوّد بشمائلهن وفيه ضرر، وهذا المعنى لا يوجد في الجارية فتترك في يد الأم بل تمس الحاجة في يدها إلى وقت البلوغ لحاجتها إلى تعلم آداب النساء، والتخلق بأخلاقهن وخدمة البيت، ولا يحصل ذلك إلا وأن
20