بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اخرج من كنوز الارض جواهر النبات. وكسا رياضها من بديع منثورها الحلل السندسيات. واودع في كل صنف منها خواص عظيمة. ومنافع عميمة. فسبحان من علم الإنسان من فوائدها ما لم يعلم. والهمه سبيل تحصيلها فتفهم ما لم يكن يفهم. والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين. وعلى آله وصحبه آجمعين.
اما بعد فهذه رسالة في الشاي والقهوة والدخان. جمعت مما قيل في شأنها ما وصلت اليه يد الامكان. ولم يكن الباعث على دمعها الولوع بها. فان شرب الدخان اكرهه في كل آن. ولم اناوله بحمد المولى المنان. والشاي والقهوة. ليس لي فيهما صبوه. ولكن وجدت عندي في ذلك منثور اوراق. فاحببت ان انظمها منتخبًا منا مارق اوراق. اذ لا تخلو من فوائد يُعترفَ بفضلها. ويغترف من عذب منهلها. ثم رتبتها على ثلاثة ابواب مستعنيًا بتوفيق الكريم الوهاب.
1 / 2
الباب الأول
في الشاي
وفي عشرة فصول
الفصل الأول
في اسمه ومادته
قال في غمدة المحتاج في الادوية والعلاج اسمه وارد من لغة الصين ويسمونه بجملة اسماء مثل تا. وتيا. وتين. ثم قال وهذا الجنس يشتمل على نوعين او ثلاثة اصلها من الصين وقوشنشين وهي شجيرات اوراقها متتالية جلدية وازهارها
بيضاء كبيرة. وقال بعضهم الجاي لفظ فارسي الاصل وليس لهذا الاسم ما يرادفه في اللغة العربية لانه حديث النشأة في جزيرة العرب اذ لم يكن يعرف فيها ولما كثر استعماله في الاقطار الحجازية والمصرية استبدل العرب جيمه شينًا على ما اعتاده المولدون فسموه شايًا. وبعضهم زاد على ذلك بان زاد عليه هاء مكسورة فدعاه الشاهي. واهل المغرب يبدلون جيمه تاء مسبوقة بهمزة فيقولون اتاي انتهى.
الفصل الثاني
في ذكر انتشاره بين الناس ومبدئه
قال في العمدة اول من تكلم على الشاي من المؤَلفين طلبيوس بضم الطاء ثم اخذ استعماله في الانتشار شيئًا فشيئًا فاولا بهولاندا وانكلترا وشمال اوربا ثم فرنسا ثم باقي العالم حتى صار الآن كثير الاستعمال كمشروب غذائي وقد استبنت في اماكن من اوربا وجربت زراعته في جزائر انتيله ومرتنيك ونتج هناك جيدًا ودخلت زراعته ايضًا في كيان حتى طلبت لها
1 / 3
صينيون يباشرونها والهولنديون هم اول من ادخل الشاي في اوربا حيث راوا استعمال الصينيين له ثم قال وهذا النبات ينبت في الصين واليابان وقوشنشين وعمومًا في شرق آسيا واستنبت بكثرة في تلك الاماكن والعامة تسمى تلك الاوراق شايًا كالشجر نفسه انتهى وفي كتاب مفردات الطب وغيره ان الاماكن التي يوجد فيها شجر الشاي هي جبال الصين وخطا وفي مدينة من مدائن الهند تعرف بنيبال وبهتنت وفي اليابان.
الفصل الثالث
في صفته النباتية
قال في العمدة هو شجرة اذا تركت ونفسها جاز ان ترتفع من ٢٥ قدمًا إلى ٣٠ الا انها في الزراعة المعتادة يندر ان تزيد على ٥ أو ٦ اقدام وتحمل اوراقًا متتالية
عديمة الزغب بيضاء مستطيلة منتهية بطرق دقيق وهي خشنة الجلد مسنَّنة قليلًا تسنينًا منشاريًا في جوانبها وفي بعض لمعان ولونها اخضر قاتم واوراق الاغصان الجديدة الصغيرة طرية وزغبها قليل والازهار البيض متراكمة على بعضها وعددها من ثلاثة الى اربعة في آباط الاوراق وفي كتاب مخزن الادوية وغيره ان لشجر الشاي زهرًا ابيض اللون ينبت تحت اوراقه فيجتمع كل ثلاثة منها في مكان من الغصن وينبت الزهر في اسفل تلك الورقات ازرارًا بيضاء واما ثمر هذا الشجر فهو عبارة عن حبة أو حبتين من البذر مودعتين ضمن محفظة مؤَلفة من ثلاثة قشور وحكى بعضهم أن الشاي ورق شجر شبيه بشجر الرمان وشجر الحناء والصفصاف طول الشجرة منه لا يزيد عن قامة وان منه نوعًا اخضر يزرع فينبت وله ساق شبيه بساق البر تغطية اوراقه نوعًا له ساق يشبه ساق النعنع طوله شبر أو ما يزيد واوراقه غليظة ولونه اصفر وهو شديد الحرارة.
1 / 4
الفصل الرابع
في اجتنائه
يجنى الورق من سن ثلاثن سنين الى سبع ويقلم جذع الشجرة لاجل ان ينتج الورق بعد ذلك بكثرة واول اجتناء يكون في شهر نيسان عند ما تنمو الاوراق وقبل ان يتم كمالها وقد يجتني الشخص في اليوم من عشرة ارطال الى خمسة عشر والاجتناء الثاني يكون بعد ذلك بشهر عندما يتم ظهور اغلب الاوراق فحينئذ يختار من الاوراق الطفها ويخلط مع اوراق الاجتناء الاول ثم يجتني ثالثًا ولكن يجتني الا الاوراق التي يحصل منها الشاي الغليظ المخصوص بالعوام وبعض الزراع يجتني جنيتين معادلتين للجني الثاني والثالث اللذين ذكرناهما ذكره في العمدة.
الفصل الخامس
في تهيئته للاستعمال والتجاره
قال في العمدة توجد محلات مصنوعة في تلك البلاد لتهيئة تلك الاوراق وبها افران في كل منها تنور من حديد فاولًا تغمس الاوراق المجنية نحو نصف دقيقة في الماء المغلي ثم تخرج وتترك حتى تجف ثم تلف بالاصابع ورقة ورقة وتلقى في التنور المحمى حتى يحكم بان جفافها كاف ثم تؤخذ منه وتوضع على حصير وتلف مرة اخرى وهي حارة وتعطى لعملة تعرضها للشمس لتجلب للاوراق التفافًا مستدامًا فما كان من الشاي جيد الالتفاف والجفاف كان مختارًا ثم يوضع في صناديق او علب يحفظ فيها نحو شهرين ثم يخرج منها لاتمام تجفيفه في محل دفيء لتزول منه جميع الرطوبة فحينئذ يكون اهلًا للاستعمال او للارسال في المتجر بعد وضعه في صناديق مبطنة باوراق الرصاص ومحاطة باوراق عريضة من نبات تلك
1 / 5
البلاد بعد ان يعطر احيانًا بازهار وزيت مخصوصين فالشاي في الحالة الطبيعية عديم الرائحة حريف وغمسه في الماء يخفف من حرافته الاصلية.
الفصل السادس
في صفة الجيد منه
قال في العمدة الشاي الجيد ما كان جديدًا نقيًا متساويًا ليس عليه غبار وثقيلا تشم منه رائحة البنفسج ليس فيه حرافة ولا رائحة قوية ولا سيما اذا كان جيد الجفاف.
الفصل السابع
في أصنافه
ذكر مؤلف مخزن الادوية ان انواع الشاي مختلفة فمنها الابيض والاخضر والبنفسجي والخمري والازرق والاسود فالنوع الابيض منه تكون اوراقه صغيرة وملتفة على بعضها ملتصقة وهو ذكي الرائحة نادر الوجود يمتاز في الجودة عن بقية الانواع وهو لا يصدر عن اماكنه برسم البيع اصلًا وانما يرسل إلى بعض الاطراف هدية جليلة المقدار عظيمة الاعتبار ومن هذا النوع يعتبر في القوة الجاي الاخضر فهو اشد قوة من بقية الانواع ولكنه اشد يبوسة من النوع الاول ومن بعد هذا الجاي الخمري ثم الاسود فهما من حيث القوة اشد من الجاي الازرق واضعف من الابيض والاخضر وقد يوجد مما عدا النوع الابيض كثير من هذه الانواع وعلى الاخص الاخضر والاسود منها وتباع رخيصة جدًا وحكى بعضهم ان منه نوعًا يقطف اولا يختص بملوك تلك البلاد وهو اجوده ودونه ما يقطف في المرة الثانية ثم ما يقطف بعد ذلك. وقال في العمدة اصناف الشاي الموجودة في المتجر قسمان اخضر واسود وكل منهما له اصناف والاصناف السود محضرة من اوراق الجني الاخير وهي اكثر خلوا من الحرافة والزهومة
1 / 6
واقل تهييجًا واقبل عند اهالي البلاد الشامية واصناف الشاي الاخضر على العكس من تلك الصفات ومتميز بلونها الاخضر الواضح الذي يظهر انه ناشئ من بلوغ الاوراق الى تمام نضجها واصناف الشاي الاخضر سبعة والاسود اربعة ذكرها في العمدة فارجع اليها ان شئت. وقال بعض الاطباء ان الجاي في عرف اطباء المغرب على انواع وان طبائع هذه الانواع والوانها تحصل عن تاثير المواسم التي تقطف فيها اوراقه فالاوراق التي تقطف في موسم الربيع يكون منها الجاي الاخضر واما الاوراق التي تقطف بعد هذا اي في شهر نيسان فيكون منها الشاي الاسود واذا قطفت قبل ان تنضج تبقى اذنابها بيضاء فيسمونها (اق قويرق) وتعريبه ذنب ابيض وهو اجود هذا النوع واحسنه وقد تقطف اوراق هذا الجاي بعد هذا الوقت بايام قليلة
فيحسب اوان قطفها موسما ثالثًا له وبمقتضى تأثير هذا الموسم تسود رؤس الاوراق. ويستشف من قول بعض الاطباء ايضًا ان اللون الابيض في الجاي هو صنعي غير طبيعي. وقال آخر أن الجاي يصبغ بالوان صنعية. ويروى ان لكل من الجاي الاخضر والاسود شجرة مخصوصة به والله اعلم.
الفصل الثامن
في كيفية طبخه
قال بعض الاطباء من اللازم ان يكون الماء المطبوخ به صافيًا براقًا وان يوضع على النار الى ان يعلو بخاره وحينئذ يلقى فيه الجاي لانه لا يتم نضجه ولا تنتشر رائحته ما لم يكن الماء غاليًا حارًا واما اذا كانت حرارة الماء دون الدرجة المطلوبة فلا يتم نضجه ولا يرجى نفعه وعلى القائم بطبخ الجاي ان يضع في ابريق الجاي ماء حارًا بضع دقائق كي تنتشر الحرارة به وكذلك يفعل بالفناجين ثم بعد ذلك يوضع للابريق الذي
1 / 7
يستوعب مائة وخمسين درهما من الماء ثلاثة دراهم من الجاي ثم يملأ الابريق ماء غاليًا ويتركه على نار هادئة مدة ثماني داقئق وقعد ذلك يصبه في الفناجين واما اذا نقصت مدة طبخه عن ست داقئق فتفقد خاصيته وتضعف قوته وهكذا اذا زادت المدة عن ثمان دقائق فقد يكتسب طعمه مرارة ويصبح قابضًا. والجاي النقي الخالي عن الشوائب لا يلزم غسله قبل استعماله لان غسل الجاي قبل الطبخ مما يبعث على زوال رائحته. ومن الواجب ايضًا ان يحفظ الجاي في مكان لا تناله فيه رطوبة ولا يمسه هواء وذلك استبقاء لرائحته وحفظًا لخاصيته. وقال في العمدة العادة ان لا يرغب الشاي الا لعطريته ولذته ولذلك يلزم ان لا يترك في الماء اكثر من دقيقة واول كاس يشرب من منقوعه هو الاقبل والاخف والاقل تنبيهًا ومن اللازم ان ينقل منقوع الشاي الذي
بقى الشاي فيه دقيقة او دقيقتين لاناء ثانٍ يشرب منه حارًا فيحينئذ لا يحتمل كثيرًا من القواعد المرة الحريفة القابضة واما وضع الماء ثانيًا على الشاي فرديء لانه لا يكون فيه اذ ذاك عطرية ولا يكون فيه الا الخلاصة التي تكدر المجموع العصبي وهذا مثل ما اذا بقى الماء الاول من ثمان دقائق الى عشرة واكثر. وينبغي التحرز من ان يلقى اولا قليل من الماء المغلي على الشاي لاجل غسله قبل ان يصب عليه ماء النقع فانه رديء ايضًا لان هذه الكمية اليسيرة من الماء تأخذ جزًا من عطر الاوراق. واما مقدار الشاي للماءِ فالعادة ان يكون المقدار درهما لكل رطل من الماء المغلي فيلقة عليه الماء الاول ويترك بعض لحظات ويصح ان يوضع عليه ثانيًا نصف وزن ذلك الماء من ماءٍ جديد اذا كان النقع الاول لم يطل زمنه والعادة ان يضاف لمنقوع الشاي لبن اذا استعمله كغذاء في الصباح واحيانًا على شاي المساء انتهى وذكرت
1 / 8
بعض المجلات ان الطريقة الصينية في عمل الشاي ان يضع قليلًا منه ف يابريق الشاي ويسكب عليه قدر فنجان من الماء المغلي ويهزه قليلًا ثم يريق هذا الماء عنه وان القصد بذلك ان يغسل الشاي مما يضاف اليه من الاصباغ ومن المواد العفصية التي فيه ثم يسكب ماء مغلي على اوراق الشاي حسب المعتاد فيكون الشاي لذيذ الطعم خاليًا من العفوصة والاصباغ التي تفسد طعمه.
الفصل التاسع
في خواصه
قال في العمدة اعتبروه مهضمًا للغاية مقويًا للمعدة منبهًا يسبب ثورانًا خفيفًا في التصورات بتاثيره على المخ ويزد في القوة الجنونية زيادة وقتية ويسبب راحة واطمئنانًا ولكن بدرجة اقل وضوحًا مما يحدث من القهوة واما بالنظر للاستعمال
الطبي فلا يعطي منقوع الشاي الا لتسهيل الهضم ويعطى كالدواء المعرق وتلك خاصية فيه وان كانت ضعيفة ولوجود خاصية القبض في الشاي اعتبره كثير من المؤلفين دواء قابضًا فامروا به في الفياضانات الريحية ونحوها ومن المؤكد يقنيًا ان له تاثيرا واضحًا على الاعصاب لانه ينبهها حسب يسبب اضطرابًا وسهرًا ونحو ذلك وشوهد شفاء وجع القلب به واعتبروه مانعًا لتكون الحصاة ومذيبًا لها اذا كانت متكونة ولذا ذكر بعض الاطباء انه لم يشاهد اصلاص حصاة مثانية في اليابان لكثرة استعمال اهلها له حتى انهم يستعملون مسحوقه ويزردونه بالماء الحار وهو من الاعاجيب وذكر بعضهم انه لم يشاهد حصاة ولا نقرسًا في المكثرين من شرب الشاي ولكن يشاهد عكس ذلك في اوربا اي ان المصابين بذلك هنالك كثيرون فهذا رأى غير مختار واعتبروه ايضًا دواء جيدًا لضعف البصر والوجع العصي في العين
1 / 9
ثم ان الصينيين يعتبرون له خواص آخر فيرون انه دواء عام قلبي للغاية مقو للمعدة والقلب مثير للحرارة مزيل لاوجاع الراس مبرئ للاستسقاء والاستهواء والنزلة وامراض الكبد والطحال والقولنج ولكن الوثوق بهذا قليل ثم مع المبالغة في منافعه ذكروا له اخطارًا واضحة فاذا استعمل بمقدار كبير فانه يؤثر على الاعصاب ويثير الدورة ويزيد في حرارة الجسم ويسبب سهرًا وحركات تشنجية في الاطراف فهو منبه لا ينبغي الافراط فيه فيكون مناسبًا للسمان والكسالى الثقيلة ابدانهم والمقلين من استعمال الرياضة مع الاكثار من استعمال المآكل الدسمة والدهنية واللزجة ويكون مؤذيا للموصوفين بعكس ذلك وبالامزجة المخالفة لذلك سيما اذا اكثروا من استعماله. ومن المشاهد في الصين ان المكثرين من الشاي يكونون نحفاء ضعفاء والوانهم رصاصية واسنانهم مسودة وزعم بعضهم ان الافراط من الشاي ينتهي حاله باتلاف حساسية الاعصاب ونسب بعضهم اخطاره لحرارة مائة لانها تتعب المعدة وغير ذلك وناقض هذا
غيره ورا نسبة ذلك للورق نفسه ونسبوا ايضًا لافراد استعماله رخاوة الصينين وقلة تشجعهم وانتقاع الوانهم وترهل لحومهم اه ملخصًا.
وفي التذكرة الطبية ان الشاي بمجرد شربه يبنه المعدة والامعاءِ فتزاداد الشهية وتنتظم الحركة الديدانية ولذا يستعمل في عسر الهضم ومتى امتص اثر على المخ فيوقظه ولذا يستعمل ضد التسمم بالافيون وهو لا يناسب المستعدين للدرن الرئوي والعصبيين اذ يحصل لهم خفقان من استعماله انتهي وقرات في بعض المجلات العصرية ان الشاي يطهر الدم من مواد مضرة ويعين على الهضم ويساعد على تقطيع البلغم في السعال وفي رسالة شراب الشاي ان من منافعه كونه مزيلًا لعفونة الفم فيطيب النكهة ويذهب السعال ويقوى الباه ويدر البول ويفتح سدد المثانة ويشد العصب ويحلل الاورام وينفع للخفقان القلبي ويخرج الرياح التي تتكون بالاحشاء وتمغص
1 / 10
فيتأَلم لها البدن مع ما فيه من المادة المغذية للدم المساعدة لتصفيته ثم ذكر ان الشاي الاخضر اسمى درجة في المنفعة واجود تناولًا من الاسود انتهى ومع ذلك فهو يلود الباسور كالقهوة وقد حذر الاطباء منهما للمصاب به نعم قال بعض الحذاق منهم لا باس بشرب الخفيف من الشاي الاحمر وقد بعضهم الكاس الواحد من الشاي الاخضر باربع من الشاي الاحمر.
الفصل العاشر
فيما نظم في مدحه
من ذلك قول بهجة الادباء الشيخ محمد المبارك الجزائري ثم الدمشقي:
قهوة الشاي وهي الطف قهوة ... لم تدع لي في قهوة البن شهوه
ابسوداء بعدل الشاي وهل ال ... شاه كلا لتلك اعظم هفوه
لو درى الناس ما له من مزايا ... ما خطوا نحوها لعمرك خطوه
ما ابنة البن في الحقيقة الا ... من جواريه صادفت حسن حظوه
وحوت دولة لدى كل حبر ... ماجد كان في المكارم قدوه
لكن الشاي بغية القوم اما ... عقدوا في مرابع البسط حبوة
او دعاهم داعي الهناء الى مو ... رد صفو في روضة فوق ربوه
فهو ابهى لونًا واشهى مذاقًا ... وهو اذكى نشرًا واعظم نشوه
طاب بالسكر اللذيذ شرابًا ... فاديرت اقداحه وهي حلوه
ونما فضله بحسن قبول ... في قلوب لها مع الله خلوه
راحه ينعش النفوس ارتياحا ... فلها هزة اليه وصبوه
يشرح الصدر بهجة وسرورًا ... لذة السكر لا تعادل صحوه
كم اراق الصهباء من كان يهوى ... شربها عندما احتسى منه حسوه
فادر صاحِ منه كاسًا دهاقًا ... ليس لي عنه يا ابن ودي سلوه
1 / 11
وارتشفه على بساط نشاط ... منشدا من اشعار قيس وعروه
وانتهز فرصة من الدهر واصحب ... صفوة قد جلت من العيش صفوه
راقها الشاي حيث راق صفاء ... وهزار الافراح ردد شدوه
فاجتلته على رخيم المثاني ... في رياض ابدى بها الزهر زهوه
منه نوع زبرجدي اذا ما ... لاح في الكاس شمت ماء وجذوه
نمّ عن عنبر به وعبير ... بشذاه دعا الوري خير دعوه
وحبا الصب واردات التهاني ... من حبيب رثى له بعد جفوه
ذاك اعلى انواعه عند قوم ... ما ثنتهم عن خلوة الود جلوه
ذاك عين الأكسير معنى يعيد ال ... قبض بسطا والذل عزا وسطوه
درهم منه رد قنطارهم ... فرحا قد جلا عن القلب شجوه
فتعاطاه كل حر رقيق ... كان للناس فيه احسن اسوه
ينجلي في الكؤُس شبه نضار ... في لجين يولي الفتى اي ثروه
او كشمس قد اشرقت في بدور ... مذ تجلت جلت دجى كل غفوه
ياله من زمرد عاد تبرا ... فاكتسى الكاس منه احسن كسوه
كللته فرائد من جمان ... ربما خالها اخو الجهل رغوه
كم له في الورى منافع لكن ... لم يشنها اثم مشوب بقسوه
يبهج النفس ينتج الانس حالا ... يورث الهضم يطرد الهم عنوه
ولذا قيل منية النفس فيه ... ينبغي شربه مساءً وغدوه
وقال زيد لطفه مضمنًا:
يا حسن شاي لاح في بلورة ... يزهو كتبر في لجين رائق
اداره الساقي على الندمان في ... زينة معشوق ولون عاشق
وقال الاديب السيد عمر الانسي البيروتي:
ادم شرب الاتاي فان فيها ... منافع ليس توجد في سواها
1 / 12
مآثر تمنح السفهاء حلمًا ... وارباب الحلوم علًا وجاها
اذا جليت مشاربها تجلت ... على جلساءِ حضريها سناها
فلا لغو ولا تاثيم فيها ... ولا ما يسلب العقلا نهاها
ولا ما يلحق الانسان جهلًا ... براتعة البهائم في فلاها
ينال بها السليم نشاط جسم ... كما نالت بها المرضى شفاها
ويعبق طيبها فينم مسكا ... فينعش روح شاربها شذاها
سقى صوب الغمام بها ربوعًا ... تحيات الحيا حيث رباها
يمر بها الصبا المعتل يروى ... لنا خبرا صحيحًا عن ثناها
نبات فاخر يا فخر ارض ... نمته عليه تحسدها سماها
اذا لم يوجد الابريز فيها ... فان نباتها احلا حلاها
وقال اوحد العلماء الشيخ عبد الجليل براده المدني:
ارى كلما تحوي مجالس انسنا ... جنودا لدفع الهم سلطانها الشاهي
فلا عجب ان لم تتم بدونه ... فما تم امرٌ للجنود بلا شاه
وقال:
اذا مجلس للانس تم نظامه ... وما دار فيه كاس شاي معنبر
لعمري وان حاز المسرات ناقص ... وما هو في عد المجالس يذكر
وقال ايضًا:
اذا زار من تهواه يومًا محبة ... وبادرت بالشاهي يطول جلوسه
وان تسقه الشربات يا صاح انه ... يقوم اذا دارت عليه كؤُسه
وللاديب محمد افندي جاد الله قصيدة فريدة من غررها قوله:
اينكر اكسير ويُودِ به النكر ... وفي الشاي آيات يحاربها الفكر
تامل تجد ما قيل فيه بعينه ... بها بينًا كالشمس يظهرها الظهر
على انها امتازت باشياء جمة ... فحق لها دومًا عليه بها الفخر
تفيدك ايام الشتاء حرارة ... وفي الصيف ترطيبًا اذا مسك الحر
1 / 13
بها تكتسى الكاسات ابهج حلة ... علاها حباب دونه الانجم الزهر
كذائب ياقوت بدرٍ مرصع ... وما ذائبًا من قبلها رصع الدر
تروح ارواحًا روائح نشرها ... فكم من هموم قد طوى ذلك النشر
بمنظرها الزاهي تقر نواظر ... ومن نورها الوضاح ينشرح الصدر
اذا دارت الكاسات في مجلس ترى ... كان نفوس الناس من شوقها طير
حقائقه جلت عن الوصف عادة ... تفرد في ادراك آلائها السر
فاكرم بها حازت محاسن بعضها ... يضيق لدى ايضاحه النظم والنثر
ولا تله عنها بكرة وعشية ... فمن نفعها ما لا يحيط به الحصر
وفي رسالة سماع الناي على شرب الشاي
مجالس الانس مهما كان مبلغها ... من السرور فلن تغني عن الناي
كذاك كل فتي تعنيه صحته ... فانه في احتياجات الى الشاي
الباب الثاني
في القهوة
وفيه ستة فصول
القهوة في اصل اللغة من اسماء الخمر يقال سميت بذلك لانها تقهي شاربها عن الطعام اي تذهب بشهوته كما في الصحاح وفي التهذيب اي تشبعه ثم اطلقت على ما يشرب الآن من البن يقلى على النار ثم يدق ويغلى بالماء وتطلق الآن ايضًا على المحال المعدة لشربها من باب تسمية المحل باسم الحال يقول الشيخ محمد العلمي ﵀ في منظومته في النصائح.
واحذر دخولك للقهوات ان بها ... جل الفواحش مع كذب وغيباث
كم قهوة اصبحت للهو جامعة ... وكم بلايا بها لاهل الديانات
كمحنة شغلتهم عن بيوتهم ... وعن صلاة واوراد وطاعات
1 / 14
الفصل الأول
في مادتها الذي هو البن ومنشئه
قال في العمدة مادتها الذي هو البن ثمر شجرة صغيرة تنبت طبيعته بالاقاليم الحارة من النوبة وبلاد العرب سيما اليمن على شواطئ البحر الاحمر وانواعه نحو الثلاثين وله اوراق كاملة متقابلة وازهار بيض غالبًا وكلها من الاقاليم الحارة من قديم الزمان وجديده واهمها باعتبار المتجر والاستعمال المدني النوع الذي ينبت ببلاد العرب وسيما اليمن وانتقل من ذلك الى الهند ثم الى اوربا ومن هناك الى اميركا الجنوبية والاصل والاول للبن بلاد الحبشة فكان فيها من زمن قديم واخذه العرب من هناك من زمن قديم ايضًا لا يمكن تحديده بالضبط وانما كثر باليمن وحوالي مخا وحسنت زراعته هناك وصار هو احسن بن يخرج في الدنيا
وكثر استعماله في البلاد الشرقة ومن المحقق عند الاوربيين انه كان مستعملًا ببلاد فارس سنة ٢٦١ ثم في سنة ٩٢٢ اخذ السلطان سليم مصر وحمل البن معه الى القسطنطينية حيث لم يكن بها اذ ذاك مجال عمومية ولم تحدث القهاوي هناك الا سنة ٩٦٠ وكان لا يستعمل للغلي الا قشر البن لا لبه اه.
الفصل الثاني
في صفتيها النباتية
قال في العمدة جذعها اسطواني يعلو من ١٥قدمًا الى ٢٠ قدمًا وتنقسم الى فروع متقابلة متعقدة قليلًا واوراقها خضرة دائما جميلة مع لمعان في وجهها العلوي وفيها بعض قتامة وتنتشر منها رائحة ذكية جدًا وتحمل شجرته اذا كان سنها من سنتين الى خمسة ويجني منها مرتين في السنة نحو خمسة ارطال وتنتج الثمر ثلاثين او اربعين باوربا واجتناؤُها في الربيع والخريف ومع ذلك تبقى مزينة في جميع الازمنة
1 / 15
بالازهار الذكية الرائحة وثمارها تنضج بعد الزهر باربعة اشهر.
الفصل الثالث
في صفاتها الطبيعية
قال في العمدة البن الذي تستعمله الناس انما هو بزر جوزة حجمها كالكرز الصغير وهو عديم الطعم والرائحة قبل التحميص وان استشعر الحس ببعض رائحة اما بعد التحميص فيظهران ظهورا واضحا ومنقوع البن الغير المحروق يكون ايضا عديم الطعم ولونه مخضر ولكما اثرت فيه النار حصل فيه اتحادات جديدة كيماوية فينتشر العطر ويظهر الطعم ويتصاعد دهن عطري ويشاهد منه نقط على سطح البزر والحبة بالتحميص يندمج حجمها ويفقد تقريبا ربع وزنها اما اذا اشتد حرقها فانها تفقد جزأ من صفاتها الجليلة ويتغير معظمها بل كلها الى فحم
وتكتسب مرارة قوية ودهنها الشياطي يعطيها حرافة كريهة فلاجل تحصيل المنافع المرادة من الحب يلزم ان يصل تحميصه الى ان يعطيه لونًا اشقر ولاجل حفظ جميع صفات البن ما امكن يلزم ان يحمص ويطحن وينقع حالًا ويستعمل حارا لان عطريته ولطافته يفقدان اذا مضت مدة طويلة بعد غليه او طبخه ويلزم ان لا يكون البن قديمًا جدًا لانه اذا مكث مدة طويلة يفقد جزءًا من صفاته اللطيفية نعم بن الجزائر لا ينبغي استعماله اذا كان جديدا لمرارته بل ينتظر مدة اقلها سنة حتى يكون زيتيةً لكن اذا طال اكثر من ذلك فانه يفقد صفاته انتهى.
الفصل الرابع
في خواصها
قال في العمدة منقوع القهوة اذا صنع جيدا وحلى بالمناسب كان مشروبًا مقبولا جدًا لذيذ الطعم ومتى دخل في المعدة سبب فيها حرارة
1 / 16
لطيفة توصل للجسم لذة ورائحة وهو مهضم للغاية مقو للمعدة مثير للدورة مظهر للقوى العقلية مساعد على التنفس الجلدي والافراز سار مفرح للنفس منعش مهيج لقوى الجسم وهو مشروب الكتاب والمدرسين والمطالعين للكتب والمعلمين للعلوم الادبية والصناعية والشعراء واهل الادب واذا استعمل بعد الاطعمة الثقيلة فانه يقوي الهضم ويناسب بالاكثر سكان البلاد الرطبة والمغيمة والمعتدلة وغير ذلك ومنقوع البن يشاهد انه قد يضر بعض الناس وقد يرغب فيه آخرون لكونه يمنع عنهم النوم بعد الاطعمة الخفيفة في غير المعتادين عليه هو دواءٌ ثمين في هذه الحالة لانه ينال منه انكشاف للتصورات ونورانية للتعقلات وراحة تعين على سهولة الاشتغال وشوهد من العلماء واهل الادب من يستعمل هذا المشروب مرات في اليوم وقصدهم بذلك دوام قوة حافظتهم ومع ذلك لم يحصل لهم شيءٌ من العوارض التي زعمها بعض
الناس مثل قولهم سم بطئ. وهذه القهوة تناسب بالاكثر اصحاب الامزجة الباردة والاشخاص البطيئة حركاتهم والسمان الثقال الاذهان الكسالى والذين هضمهم عسر شاق وتكون اكثر تناسبًا للشيوخ منها للشباب وللرجال منها للنساء وقد اعتاد معظم النار باوربا ذكورا واناثا على التغذي في الصباح بالقهوة الممزوجة باللبن ويفضلون هذا الغذاء على غيره ويستعملونه مع لقيمات من الخبز فيكون ذلك مقبول الطعم والرائحة يسهل الاستمراء والانحدار وقد ينتج ذلك تليينًا لطيفًا ولا التفات الى ما ذكره الشيخ داود الانطاكي في تذكرته مما يخالف ذلك حيث قال وقوم يشربونه اي البن باللبن وهو خطأ يخشى منه البرص اه. مع ان الاوربيين المستعلمين لذلك لا تجد فيهم احدا مريضًا بالبرص وهناك امر يفعله الاوربيون من اللازم تركه لكونه خطرا وهو ان يلقى في القهوة عند الغلي قطعة من النحاس لاجل صفائها اه. كلام العمدة.
وفي المجلة الصحية ان من فوائد القهوة انها تنبه عمل الدماغ وتساعد
1 / 17
على السهر الطويل ولذلك ترى ان اكثر المشتغلين بالاعمال العقلية يشربون القهوة لان الارق الناشيئ عن شربها لا يصحبه انزعاج ولا تعب ويلبث معه الفكر جليًا هادئًا واذا افرط المرءُ في شرب القهوة فقد يشعر بتعب وقلق على فم المعدة والاستمرار في الافراد ربما يورث ضعفًا في اعضاء التناسل غير ان هذه الاعراض تزول بالامتناع عن شربها.
الفصل الخامس
في القطع بحل شربها
قال الشهاب بن حجر في الايعاب حدث قبيل هذا القرن العاشر شراب يتخذ من قشر البن يسمى ذلك القهوة وطال الاختلاف فيه والحق ان ذاتها مباحة مالم يقترن
بها عارض يقتضى التحريم واطال في ذلك واطاب ﵀. وقال العلامة الخليلي في فتاويه: واما القهوة فخلاصة القول فيها انها من الجائز تناوله المباح شربه كسائر المباحات مثل اللبن والعسل ونحوهما لدخولها في قوله تعالى: قل لاي اجد فيما أُوحي الي محرما على طاعم يطعمه الآية. ولا التفات الى من ادعى تحريمها فدعواه في ذلك اوهن من بيت العنكبوت. وللشيخ فخر الدين ابي بكر بن شرف الدين اسمعيل بن ابي يزيد المكي الشافعي رسالة سماها: (اثارة النخوة بحكم القهوة) عارض بها من الف في حرمتها وله ايضًا رسالة اكبر منها سماها: (اجابة الدعوة بنصرة القهوة) رد فيها على الحكيم الكازروني وخطيب المدينة شمس الدين القطان وكلاهما له تاليف في حرمتها. وقال النجم الغزي في الكواكب السائرة في ترجة المولى ابي السعود ﵀ ما نصه والكلام في القهوة الآن قد انتهى الاتفاق على حلها في نفسها واما اجتماع الفسقة على ادارتها على الملاهي والملاعب وعلى الغيبة والنميمة فانه حرام بلا شك قال النجم وقد اجبت عن سؤال:
1 / 18
ايها ايها الفاضل الذي جمع ال ... علم وحاز التقى فاصبح قدوه
افتنا انت هل تقول حلال ... ام حرام على الورى شرب قهوة
فقلت:
ايها السائل الذي جاَء يرجو ... عندنا ان نبيحه شرب قهوة
قهوة البن لا تكون حراما ... انها لا تفيد بالنفس نشوه
غير ان الذي يجىءُ بيوتًا ... هي فيها تدار عادم نخوه
ان راى المرد والمعازف والنر ... د وكل يلهو ويتبع لهوه
ثم لم يقوَ ان بغيرّ نكرا ... خشية ان يعد ذلك هفوه
او يجيبوه بالاهانة والسو ... ءِ ويجفونه باعظم جفوه
او يخلى شيطانه لهواه ... لهوه في تلك البيوت ولغوه
معرضًا عن رشاده وتقاه ... ساليًا عن صلاته اي سلوه
كل هذا مخالف لطريق ... خطه المصطفى وعرج نحوه
فاجتنبه ودع طوائف يدعو ... ن اليه الرجيم في كل خُطوه
لا تطعهم ولو ضوا منك خطوه ... فتطيع الرجيم في كل خُطوه
واذا شئت شرب قهوه بن ... حسوة قد اردتَ او الف حسوه
فليكن ذاك وسط بيتك مهما ... لم تشب صفوها بموجب صبوه
واذكر الله اولًا واخيرًا ... وتوثق منه باوثق عروه
قاله ابن الغزي نجم بن بدر ... يرتجي من رب البرية عفوه
وفي الكواكب السائرة ايضًا في ترجمة الشيخ علي الشامي ثم الحجازي نقلًا عن ابن طولون انه لما قدم الشيخ على المذكور سنة ٩٤٧ مع ركب الحج شهر شرب القهوه بدمشق فاقتدى به الناس وكثرت من يومئذ حوانيتها قال ومن العجب ان والده كان ينكرها وخرب بيتها بمكة وذكر ابن الحنبلي انه
1 / 19
كتب الى الشيخ علي بن عراق وهو بحلب يستفتيه في القهوه هذه الابيات:
ايها السامي بكلتا الذروتين ... بجوار المصطفى والمروتين
والعلي القدر علمًا وكذا ... عملًا فوق علو النيرين
من له في الزهد باع ويد ... فلذا نرمقه صفر اليدين
افتنا في قهوة قد ظلمت ... حينما شيب تعاطيها بشين
مِن تَلهٍ هالنا مسمعه ... واقتراف لأَقاويل ومين
ومراعاة امور شاهدت ... فعلها في الحان كلتا المقلتين
وحكى شرابها اهل الطلا ... فالتداني بين تين الفرقتين
أودعوا ذا الطرس ما يرجو الفتى ... اوَدعوا فالياس احدى الراحتين
فاجاب رحمه الله تعالى بقوله:
ايها السامي سموّ الفرقدين ... وامام العلم مفتي الفرقتين
يا رضيَّ الدين يا بحر الندى ... من رجاه راح مملوَء اليدين
جاَءني منك نظام قد حكى ... في نصوع اللفظ مسبوك اللجين
قلت فيه ان في القهوة قد ... خلطوها بتلهٍ وبمين
وبمعطوم حرام وغنا ... وبرقص وبصفق الراحتين
فطلبت الحكم فيه بعدما ... قد رايتم ما ذكرتم راي عين
وعلى ذا الزي اذ كان الذي ... شانها حتى تصفى دون رين
والتداني من حماها وهي في ... وصفها المذكور شين اي شين
والصفا في شربها مع فئة ... اخلصوا التقوي وشدوا المازرين
ثم ناجوا ربهم جنح الدجى ... بخشوع ودموع المقلتين
فابتداَء الامر فيها هكذا ... وحكوه عن وليّ دون مين
1 / 20
ذا جوابي واعتقادي انه ... في اعتدال كاعتدال الكفتين
وقال العلامة ابو الفتح المالكي في خلال فتواه المطولة في حلها جوابًا عن شبهة ادراتها:
يا سائلي عن قهوة البن التي ... كم فتىً عن هواها ما فتي
فاعلم على طريقة الاجمال ... بانها من جملة الحلال
الى ان قال:
فمن يقول انها تدار ... كما يدار الخمر والعقار
فقل اخي لقد حكمت بالهوى ... وانما لكل عبد ما نوى
وهيئة المجلس لا تعتبر ... اذ لم يزل فيها يدار السُّكر
وغيره من لبن ومن عسل ... بين ذويه عللًا بعد نهل
لاسيما والمصطفى بادي السنا ... ما بين صحبه ادار اللبنا
فكان ذاك سنة وانما ... يمنع ما نيص عليه العلما
من هيئة تنشأ في التشبيه ... بشارب الخمور عن تمويه
كواضع في الكاس ماء صرفا ... محركًا راسًا له وكفا
يوهم ان ما حوى في الراح ... وهو في البيان صرف الراح
سيما اذا لجَّج باللسان ... الفاظه لجلجة السكران
فذا هديت الهيئة المحرمه ... والفعلة القبيحة المذممه
فاعلها الخبيث عنه يزجر ... والماءُ لا يحرم فيما ذكروا
وما نفاه الحسُّ والوجدان ... فالخوض في اتيانه بهتان
وقال الامام عبد الواحد بن عاشر الفاسي المالكي:
يقولون لي قهوة البن هل ... تحل وتؤمن آفاتها
فقلت نعم هي مأمونة ... وما الصعب الا مضافاتها
وسئل عن مضافاتها فقال: هي ما يستعمل معها من المكيفات. ولعل هذا كان في عهده او في بلده. ومن اللطائف قول بعضهم:
1 / 21