197

Risala Fi Lahut Wa Siyasa

رسالة في اللاهوت والسياسة

Genres

6 ⋆

وينص عليه بألفاظ صريحة، يجب قبوله على أنه حق مطلق، اعتمادا على سلطة الكتاب وحدها.» ولن نجد في الكتاب عقيدة تتعارض مع عقيدة أخرى تعارضا مباشرا، بل نجد التعارض فقط بين النتائج المترتبة عليها، بمعنى أن طرق الكتاب في التعبير تبدو وكأنها تفيد عكس ما يدعو إليه صراحة؛ ولهذا السبب وحده يجب تفسير هذه الفقرات تفسيرا مجازيا. فمثلا يدعو الكتاب صراحة إلى أن الله واحد لا شريك له (انظر: التثنية، 6: 4)،

7

ولا يوجد أي نص يؤكد تأكيدا مباشرا تعدد الآلهة، ولكننا نجد من ناحية أخرى نصوصا كثيرة يتحدث فيها الله عن نفسه ويتحدث فيها الأنبياء عن الله في صيغة الجمع، وما هذا إلا أسلوب في الحديث يفيد ضمنا تعدد الآلهة، دون أن يشير النص إلى ذلك صراحة؛ ولهذا السبب - أي لأن الكتاب يدعو دعوة صريحة لوحدانية الله، لا لأن هذا التعدد مناقض للعقل - يجب تفسير هذه الفقرات تفسيرا مجازيا. كذلك يدعو الكتاب صراحة (في رأي الفخار) في سفر التثنية (4: 15)

8

إلى أن الله لا جسم له، ومن ثم فنحن ملزمون، بناء على شهادة النص القاطعة، لا على شهادة العقل، بالاعتقاد بأن الله لا جسم له، ومن ثم فإننا ملزمون أيضا، بناء على سلطة هذا النص وحده، بأن نفسر تفسيرا مجازيا كل الفقرات التي تنسب إلى الله يدين وقدمين ... إلخ، وهي الفقرات التي يبدو أن أسلوبها في التعبير ينطوي على نسبة الجسمية إلى الله. هذا إذن هو رأي هذا الكاتب، وإني على رغبته في تفسير الكتاب بالكتاب، ولكني أعجب كيف يحاول رجل وهب نعمة العقل أن يهدم العقل؟! صحيح أنه يجب تفسير الكتاب بالكتاب ما دمنا نجد صعوبة في الاهتداء إلى معنى النصوص وفكر الأنبياء، ولكن ما إن نجد المعنى الصحيح حتى يجب أن نستخدم قدرتنا على الحكم وأن نعمل عقلنا حتى يمكننا الموافقة

9

على هذا الفكر. وإني لأتساءل: إذا كان على العقل أن يخضع للكتاب بالرغم من معارضته له، فهل ينبغي أن يقوم هذا الخضوع على العقل، أم يكون خضوعا أعمى؟ لو كان خضوعا أعمى فإننا نسلك كالبلهاء، بلا حكمة: ولو كان خضوعا قائما على العقل فإننا نأخذ جانب الكتاب بناء على أمر العقل وحده، ومن ثم فلو عارض العقل لما سلمنا به. وإني لأتساءل مرة أخرى: كيف يقبل المرء بفكره معتقدا يعارضه العقل؟ وماذا يعني رفض أي شيء بالفكر سوى أن العقل يعارضه؟ لذلك فإني لا أستطيع أن أكتم دهشتي البالغة عندما أجد أحدا يريد إخضاع العقل، هذه الهبة العليا، وهذا النور الإلهي، لحرف مائت استطاع الفساد الإنساني تحريفه، وعندما أجد أحدا يعتقد أنه لا يرتكب جرما حين يحط من شأن العقل، وهو الوثيقة التي تشهد بحق على كلام الله، ويتهمه بالفساد والعمى والسقوط، على حين أنه يجعل من الحرف المائت، وصورة كلام الله صنما معبودا، ومن ثم يعتقد أن أشنع الجرائم هو وصف هذا الحرف بالصفات السابقة.

وهكذا، يظن المرء نفسه تقيا حين يبدي ارتيابه في العقل والحكم السليم، ويرى أن الفسوق إنما يكمن في إبداء أقل قدر من الشك فيمن نقلوا لنا الكتب المقدسة، ولكن ما أبعد ذلك عن التقوى! إنه هو الخبل المحض! وإني لأتساءل: ما هذا القلق الذي استولى عليهم؟ ماذا يخافون؟ هل يلزم للدفاع عن الدين وللإيمان أن يبذل الناس جهدهم من أجل الجهل بكل شيء، وأن يلغوا عقولهم نهائيا؟ الحق أن من يعتقد هذا الرأي خاف من الكتاب أكثر مما يثق فيه، فلنرفض إذن على نحو قاطع هذه الفكرة القائلة بأن الدين والتقوى يريدان أن يجعلا من العقل خادما، أو أن العقل يريد إخضاع الدين له، ولنرفض أيضا الفكرة القائلة بأن العقل والإيمان لا يستطيعان العيش في سلام ووئام، كل في ميدانه الخاص. وتلك على أية حال مسألة سنبحثها دون إبطاء، ولكن علينا قبل ذلك أن نفحص أولا قاعدة هذا الحبر، فهو كما قلنا يريد إجبارنا على أن نقبل كل ما يثبته الكتاب على أنه حق وأن نرفض كل ما ينفيه الكتاب على أنه باطل. (بالإضافة إلى أن الكتاب - فيما يقول - لا يثبت أو ينفي شيئا يناقض ما أعلنه في نصوص أخرى)

10

Unknown page