32
فإننا بالفعل نحصل على السعادة الروحية المطلقة ، وتحل فينا حقا روح المسيح. ولكن اليهود لهم نظرة مخالفة كل الاختلاف؛ إذ يرون أن الأفكار الصحيحة وتطبيق قاعدة سليمة للسلوك في الحياة لا تؤدي على الإطلاق إلى السعادة الروحية ما دمنا نستعين في إدراكها بالنور الفطري وحده، دون أن ننظر إليها على أنها تعاليم أوحيت إلى موسى عن طريق النبوة، وقد أيد ابن ميمون ذلك بجرأة في هذه الفقرة (الفصل 8 من كتاب الملوك،
33
القانون 11): «من يقبل الوصايا السبع
34 ⋆
ويعمل بها بجميع جوارحه يكون من بين الأتقياء في الأمم ويرث الحياة الأخرى، شريطة أن يكون قد قبل هذه الوصايا وعمل بها لأن الله وضعها في الشريعة وأوحى لنا عن طريق موسى أنه أعطى هذه الوصايا من قبل أبناء نوح، ولكنه لو عمل بها كما يمليها العقل فليس له بيننا حق المواطن، ولا يكون من بين الأتقياء أو من بين علماء الأمم.» هذا ما قاله ابن ميمون، ويضيف موسى بن شيم طوب
35
في كتابه «كيبود ألوهيم» أو «مجد الله» قائلا: إن علم أرسطو (الذي كان يعتقد أنه كتب أرفع أنواع الأخلاق وكان يعلي مكانته فوق كل ما عداه) بكل وصايا الأخلاق الحقة، التي عرضها هو نفسه في كتاب «الأخلاق»، والتي عمل بها بكل جوارحه؛ لم ينفعه في الوصول إلى الخلاص لأنه لم يتلق هذه العقيدة بوصفها وحيا عن طريق النبوة بل تكونت لديه بإملاء العقل. ولكن هذه الأقوال في الحقيقة أخطاء كاذبة لا أساس لها في العقل أو سلطة الكتاب، وهو ما أعتقد أن كل من قرأ هذا الفصل بإمعان يوافقني عليه. وإذن فمجرد اختيار هذا الرأي كاف لتنفيذه، كذلك فإنني لا أعتزم أن أفند ما يقوله أولئك الذين يسلمون بأن النور الفطري لا يستطيع أن يدلنا على الصواب فيما يتعلق بالخلاص؛ فالواقع أن من يعتقدون هذا الرأي لا يستطيعون أن يؤيدوه بالعقل؛ لأنهم لا يعترفون بأن لديهم أي عقل سليم، وإذا كانوا يتفاخرون بأن لديهم هبة أسمى من العقل، فإنها في الحقيقة محض خيال، أو شيء أدنى من العقل، كما يدل أسلوبهم العادي في الحياة. على أننا لسنا بحاجة إلى الحديث عنهم بمزيد من الصراحة، وكل ما أود أن أضيفه هو أن المرء لا يعرف إلا من أفعاله. وإذن فمن يحمل بوفرة ثمارا كالإحسان والفرح والسلام وعدالة النفس والطيبة وحسن النية والحلم والبراءة وضبط النفس، كلها أمور لا تتعارض مع الشريعة، كما يقول بولس (رسالة إلى أهالي غلاطية، 5: 22)؛
36
فسواء أكان قد تعلم هذه الأمور من العقل وحده أم من الكتاب وحده، فإن الله الذي علمه إياها بالفعل، وهو بذلك يملك السعادة الروحية، وبذلك أكون قد انتهيت من فحص النقاط التي اعتزمت معالجتها فيما يتعلق بالقانون الإلهي.
Unknown page