هذه رسالة في إثبات كرامات الأولياء للعلامة الأوحد والفهامة الأمجد * (شهاب الدين أحمد بن أحمد السجاعي) * رحمه الله ونفعنا به والمسلمين آمين م

Page 1

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نصب لدينه من ذب عنه الرعاع وأزال بنور الحق ظلام الباطل وإن كاد لكثرة أهله يملأ سائر البقاع والصلاة والسلام على سيد الأنبياء بلا نزاع سيدنا ومولانا محمد صاحب المعجزات التي فاقت ضياء الشمس والقمر في الشعاع وعلى آله وأصحابه أولي الكرمات في الحياة وبعد الممات المشاهدات لمن فارق الابتداع وعلى التابعين وتابع التابعين لهم بإحسان وعلى من خالف هوى النفس فرجع إلى الحق وما ارتاع آمين * (أما بعد) * فيقول راجي من مولاه حسن المساعي أحمد ابن الشيخ أحمد السجاعي الشافعي الأحمدي إن السنة المحمدية المشرفة المحمية لما صارت غريبة عزيرة في هذه الأزمان المتأخرة الردية كثر أهل البدع وتكلموا بفاسد الاعتقاد وأوهموا الجاهلين أنها أمور حقية فضلوا وأضلوا وباءوا من الله بالطرد والإبعاد وأكثر ما يقع ذلك منهم في المجالس المظلمة بظلام الظلم وحب الدنيا للقوم الجاهلين قصدا لصيدهم حطامها الفاني فبئس ما قدمت لهم أنفسهم وبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا عالمين فما تكلم به قوم رعاع وأذاعوه فأورثهم الحرمان وسوء الابتداع إنكار كرامات الأولياء أحياء وأمواتا ومنها إنكارهم على المسلمين زيارة الأولياء كقطب الأقطاب السيد البدوي واعتراضهم عليه بما يقع فيه من المخالفات لرب الأرباب ومنها وهو أشنع مما قبله قولهم من أين لنا أنهم ماتوا على الإسلام ومنها تكفيرهم الوليين العظيمين الجليلين القطب الكبير سيدي محيي الدين بن عربي والقطب

Page 2

الجليل سيدي عمر بن الفارض نفعنا الله بهم آمين وقد سئلت في إظهار إبطال هذه الدعاوى التي ليست خافية على من له نور بصيرة من أهل الإيمان بالأدلة الواضحة التي هي كالشمس في رابعة النهار فأحببت الدخول في سلك السنة النبوية ورجوت بركة كرامات أولياء الله تعالى والنجاة من عذاب الدنيا وعذاب النار فقلت أما كرامات الأولياء فاعلم أن الكرامات جمع كرامة وهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم لمتابعة نبي كاف بشريعته مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح علم بها أو لم يعلم فتمتاز بعدم الاقتران المذكور عن المعجزة فلا تلتبس بها وبنفي مقدمتها عن الارهاص وهو ما يظهر على يد الأنبياء قبل النبوة كتظليل الغمام لنبينا صلى الله عليه وسلم وبظهور الصلاح عما يسمى معونة كما يظهر على يد بعض عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكاره وبالتزام متابعة نبي الخ عن الخوارق المؤكدة لكذب الكاذبين وتسمى إهانة كبصق مسيلمة بكسر اللام في بئر عذبة الماء ليزداد ماؤها حلاوة فصار ملحا أجاجا وبالمصحوبية بصحيح الاعتقاد الخ عن الاستدراج كما خرج السحر عن جهات عدة ودليل الجواز أن ظهور الخارق أمر ممكن في نفسه وكل ما هو كذلك فهو صالح لشمول القدرة لإيجاده ودليل ذلك الأمر وإمكانه أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال ودليل الوقوع ما جاء في الكتاب العزيز من قصة مريم عليها السلام وولادتها عيسى على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام من غير زوج مع كفالة زكريا لها عليه الصلاة والسلام وكان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج من عندها أغلق عليها سبعة أبواب وكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ومن قصة آصف وإتيانه بعرش بلقيس قبل ارتداد طرف سليمان عليه السلام وقد تواتر وقوع الكرامات من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وقتنا هذا وقد أطال العلامة اللفاني وولده

Page 3

الكلام على ذلك عند قوله في جوهرته وأثبتن للأولياء الكرامة * ومن نفاها إنبذن كلامه أي لطرح كلام من بنفيها من المعتزلة ومن جرى على طريقتهم وقد قال قال العلامة النسفي في عقائده كرامات الأولياء حق فتظهر الكرامة على طريق نقض العادة للولي من قطع المسافة البعيدة في المدة القليلة وظهور الطعام والشراب واللباس عند الحاجة والمشي على الماء وفي الهواء وكلام الجماد والعجماء وغير ذلك من الأشياء ويكون ذلك معجزة للرسول الذي ظهرت هذه الكرامة لواحد من أمته لأنه ظهر بها أنه ولي ولا يكون وليا إلا إذا كان محقا في ديانته برسالة رسوله انتهى وقد أقره شارحه سعد الدين وغيره من أئمة أهل السنة أسعد الله جميعهم وخذل أعداءهم إذا علمت هذا اتضح لك أن الفاعل للكرامات كالمعجزات إنما هو الله تعالى وحده لكن أظهرها الله سبحانه وتعالى على أيدي أهل طاعته الموصوفين بما تقدم إكراما لهم وإذلالا لمنازعيهم وخصمائهم وليس لهم في ذلك اكتساب ولا لهم على ذلك اقتدار فمن نسب لهم في ذلك فعلا فقد ضل وحاد عن الطريق المستقيم إذ مذهب أهل السنة والجماعة أن العبد لا يخلق شيئا من الأفعال بل المنفرد بالخلق والإيجاد هو الله الفاعل المختار وحينئذ لا فرق في إظهارها على يد أحد منهم بين كونه حيا أو ميتا وإنكار أهل الجهل والبهتان وقوعها على يد الأموات لاعتقادهم الفاسد أن الفاعل هو صاحب الكرامة وقد علمت بطلانه وأنه مبنى على قاعدة أهل الاعتزال والملامة ومن المشاهد المحسوس حفظ الله تعالى لمن أراد زيارتهم بحسن إخلاص واعتقاد صحيح من شر الأعداء المراقبين له ومن قطاع الطريق فلا يقع خلاف ذلك إلا نادرا فهذه كرامة عظمي وأما ما يقع من الإنس الباطني والإشراق الظاهري وحسن الحال لمن ذكر فأمر يعرفه من ذاقه من أهل الايقان ولا ينكره إلا المحروم المطرود عن باب الفضل

Page 4

والإحسان قال المحقق الشهاب ابن حجر في فتاويه ما نصه وجاء عن المشايخ العارفين والأئمة الوارثين أنهم قالوا أقل عقوبة المنكر على العارفين حرمان بركاتهم قالوا ويخشى عليه سوء الخاتمة نعوذ بالله من سوء القضاء وقال بعض العافين من رأيتموه يؤذي الأولياء وينكر مواهب الأصفياء فاعلموا أنه محارب لله مبعود مطرود عن حقيقة قرب الله وقال الإمام المجمع على جلالته وإمامته أبو تراب النخشبي رضي الله عنه إذا ألف القلب الإعراض عن الله صحبته الوقيعة في أولياء الله تعالى وقال الإمام العارف شاه ابن شجاع الكرماني ما تعبد متعبد بأكثر من التحبب إلى أولياء الله لأن محبتهم دليل على محبة الله عز وجل ا ه‍ ويكفى في عقوبة المنكر على الأولياء قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح القدسي من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب أي أعلمته أني محارب له ومن حارب الله لا يفلح أبدا قال العلماء لم يحارب الله عاصيا إلا المنكر على الأولياء وآكل الربا وكل منهما يخشى عليه خشية قريبة جدا من سوء الخاتمة إذ لا يحارب الله إلا كافرا ا ه‍ قلت ومن أذية أولياء الله إيقاع المعاصي كالغيبة والنميمة وسائر المحرمات بأمكنتهم وكثرة اللغط فيها بغير ذكر الله المصحوب بخشيته تعالى نسأله سبحانه وتعالى بهم الحفظ من جميع المكاره ونسأله من فضله الدخول في حزبهم إلى أن نلقاه تعالى وهو راض عنا آمين وإذ قد سمعت كل ما سبق فهمت أنه لا اعتراض عليهم بشئ مما يقع في أمكنتهم من آحاد الناس ولنضرب مثالا كالشمس المنيرة لا يصد عنه إلا أعمى البصر أو البصيرة هو أن بعض الأموات من آحاد الناس يبالغ أهله في التجهيز والتكفين وفي تشريف قبره وإظهاره بين المسلمين فهل يسوغ لعاقل أن ينسب للميت شيئا من ذلك أو يلوم عليه فيما يقع هنالك والحاصل أن الله قد أكرم أحبابه في الحياة وبعد الممات فهو الفاعل جل جلاله لا غيره من سائر الممكنات ومن المقرر عند السادة الأعلام أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي وهو ادعاء النبوة

Page 5