بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

الرابع من أصول الدين:

الإمامة وهي الاعتقاد والتدين بإمامة الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين.

والأمام عند الإمامية رضوان الله عليهم: - هو الوارث لعلم النبي ورياسته بعده المتخلق بأخلاقه، والمتحلي بأوصافه الجميلة، والخالي من جميع الأخلاق الرذيلة، السالك في الأمة سلوكه والثابت له كلما ثبت له عدا ربقة النبوة من السياسة والرياسة ووجوب الإطاعة، والعالم بالأحكام جملة حتى أرش الخدش علما حضوريا، لا يعزب عنه شئ منها، وإن كان إراديا في غير الأحكام مما كان ويكون حسب ما تقرر ذلك في كيفية علم الإمام (ع) ويلزم إن يكون معينا ومنصوبا من قبل النبي (ص) ولا يكفي نصب الأمة له، وهذه المسألة من أعظم مسائل أصول الدين، وهي معركة الآراء بين العامة والخاصة، فكم زلت بها الأقدام، وحادت فيها عن الحق أقوام بلا تروي ولا بصيرة حتى هلكوا وأهلكوا، والعقل والنقل لا يعذران الغافل والمتغافل، ولا من أخذته حمية الآباء فاقتدى آثارهم وسلك

Page 1

سبيلهم، بل لو أدعي عدم وجود جاهل قاصر في هذا العصر عن هذا الأمر لم يكن بعيدا، فمن خلع برود العناد، ونظر بعين الإنصاف، وجانب جادت الاعتساف هداه الله إلى سواء الطريق، فإن النبوة والإمامة من واد واحد فمن أنكر أو حاد عن إحداهما أنكر الأخر وحاد عنه، وإن اعترف به لسانه أو عقد عليه قلبه، فإن ذلك لا يجدي في الخلاص من العذاب الدائم والخلود الأبدي في سقر وهو الكفر الباطني، وفي الأثر الصحيح (من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية) وفيه بالمعنى لو إن عبدا صلى وصام، وجاء بالفرض والسنة مدة عمره ثم لم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ولا يتبرى من معاديه لا ينفعه ذلك كله، فإن النبي والإمام معا سفيرا حق منصوبان من جانب الله تعالى، والإقرار بأحدهما لا يكفي، وإنكار أحدهما كفر، نعم مشهور أصحابنا على عدم نجاسة منكر الإمامة، وهو لا ينفي الكفر، فإن ارتفاع حكم من أحكام الكفر لمصلحة لا يوجب ارتفاعه بعد إجماعهم على عد أصول الدين خمسة، واتفاقهم بأن المنكر لأحدها كافر وأما العامة فلا يرون إن الإمامة من أصول الدين، وظاهرهم إنهم يرون إنها من الفروع، حيث إنهم حصروا الأصول بالتوحيد والنبوة والمعاد وبنوا على إن الاعتقاد بالإمامة من واجبات الشريعة على حد وجوب الصلاة والصوم وباقي الفروع الضرورية، وظاهر إن مقالاتهم إن تعيين الإمام واجب عيني على الأمة لتوقف بعض الشرعيات على ذلك، كإجراء الحدود وسياسة الإسلام وغير ذلك مما لا بد له من وال يقوم به، وذلك مما لا مدخليه له في حقيقة الإسلام،

Page 2

بل له مدخليه في توقف النظام، فإذا أجمع الأمة على نصب واحد مشخص أو نصب نفسه، وتعقبه رضاء العموم وجب عليهم حينئذ إطاعته والانقياد له ما دام قائما بتلك الوظائف الشرعية، وصريح مقالة بعضهم أن لو زاغ أو مال به الهوى فترك سياسة المسلمين خلع وإن لم تخلعه الأمة، وما دام باقيا عليها حرم البغي عليه ووجب جهاد من خرج عن طاعته وقتله، وإن قتله من باب إجراء الحد كإجرائه بالنسبة إلى المفسد والمحارب، وحيث قام الحرب بين الفريقين على ساق، وكل منهما جاء بالدلائل والبراهين على صحة ما ذهب إليه، ودونت في ذلك الكتب للفريقين لا بأس علينا بأن نكشف النقاب عن ذلك في هذه الرسالة، وانظر إلى ما قيل، وجانب الاعتساف فإنا قد أنصفناهم غاية الإنصاف، وربما أثرنا فيها إلى الرائق من أدلة الطرفين بأوضح إشارة، وأضفنا إلى ذلك ما سنح في ذهن هذا العبد الطالب للتوفيق من مبديه رجاء إن يكون ثالث العمل الذي لا ينقطع، وإن يسهل الأمر على طالب الحق فلا يراجع كتب الفريقين، فإن فيما نذكر كفاية للبصير النيقد، وأوضحنا عباراتها لينتفع بها العالم والمتعلم، وقبل الشروع في المقصود لا بد من ذكر مقدمات تورث سهولة المطلب للطالب: - المقدمة الأولى إنا قد أشرنا قبل إجمالا بأن النزاع دائر بين النفي والإثبات في النبوة بين المسلم والكافر، فمنكر النبوة في قبال مدعيها ناف، ومدعيها مثبت، وعلى المثبت الدليل، ومثله النزاع في الإمامة فإن مدعيها على الوجه الذي تقوله الشيعة مثبت في قبال النافي لها فيحتاج المثبت إلى الحجة لا النافي، فلا وقع حينئذ لما يتخيل من إن العامة كالخاصة

Page 3

يعترفان بالإمامة إجمالا غير إن كل منهما يدعي إمامة شخص بخصوصه، فالعامة تقول بإمامة الخلفاء والخاصة ترى إمامة علي (ع) وأولاده الأحد عشر عليهم السلام، لأن دعوى خلافة الخلفاء لا تمكن إلا بعد الفراغ من بطلان دعوى الإمامية في إثبات الإمامة على وجه السابق من إن ذلك بتعيين الله والرسول، وعليه فبين الدعويين ترتب طبيعي إذ مستند دعواهم الإجماع المحكي في ألسنتهم حيث لا نص قاطع في الإمامة، ومستند دعوى الإمامية ورود النص الواجب اتباعه بما اعتقدوه من الإمامة، فيلزم أولا إبطال حجتهم ثم إيراد الدليل على خلافة الخلفاء، وليس لقائل إن يقول بعدم الفرق بين خلافة الأمير (ع) وبين خلافة غيره بحيال إن كل منهما قابل لإقامة الدليل عليه، فدعوى كل منهما يحتاج إلى البرهان، فإذا ثبت أحدهما بدليله بطل الثاني، وقد أورد علماء العامة من الأدلة العقلية والنقلية على خلافة الخلفاء ما يغني عن التفكر في أدلة الإمامية وحينئذ لا يلتفت إلى أدلتهم في إثبات خلافة الأمير (ع) لما هو مقرر من إن قيام الدليل العلمي على أحد الضدين يورث العلم الإجمالي بفساد أدلة الضد الأخر، ولا حاجة إلى التعرض إلى نقض أدلة الضد الأخر والجواب عنها تفصيلا، وتعرض علمائهم للجواب عنها تفصيلا إنما كان لرفع الشبهة عن جهالهم إذ ذلك كلام شعري لا محصل له فإن لم ندع إن خلافة الخلفاء لا تحتاج إلى الدليل أو إنها ليست بضد لخلافة الأمير (ع)،

Page 4

أو إن الدليل على حقيقتها لا يكون دليلا على فساد خلافة الأمير (ع) وإنما قلنا بأن دعوى الإمامية بإمامة حضرة أسد الله الغالب (ع) بحسب المرتبة لها تقدم على دعوى المخالفين بحقية خلافة الخلفاء غيره، فإذا لم تبطل هذه الدعوى لا يمكن إثبات دعواهم على حقية خلافة خلفائهم نظير ذلك مثلا لو قبض الحاكم الشرعي مال من لا وارث له بحسب الظاهر، وأراد صرفه فيما يترجح في نظره من المصارف، ثم حصل من يدعي إنه يرث صاحب المال المقبوض، فإن الحاكم ليس له قطع المدعي بإقامة الدليل على صرفه فيما ترجح في نظره من المصارف، بل اللازم عليه أن يسمع تلك الدعوى من مدعيها فإن اتضحت لديه بطريق شرعي من بينة وغيرها رفع يده عن المال، وإلا فعليه بيان دليل صحت المصرف وغب (1) 1 بيانه صرف المال في مصرفه، وهذا أمر لا يسع الخصم إنكاره ولو ادعى الخصم بأن خلافة الخلفاء عند مثبتها كخلافة الأمير (ع) في كونها بالنص لا بالإجماع، فحينئذ لا مسرح لترتب المذكور، بل تحصل المعارضة، ويفزع إلى الترجيح لرددناه بأن ذلك لو قيل به فهو مخالف للإجماع من العامة في ثبوتها بالإجماع عندهم دون النص، ومخالف لما تواتر عن عمر ورواه المعتبرون من أهل السنة والجماعة في قضية الشورى من قول عمر لابن عباس أن أترك الاستخلاف فلقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله (ص)، وأن استخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني به أبا بكر في

Page 5