36

Riqqa Wa Buka

الرقة والبكاء لابن قدامة

Investigator

محمد خير رمضان يوسف

Publisher

دار القلم،دمشق،الدار الشامية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م

Publisher Location

بيروت

صَاحِبَةُ أَيُّوبَ، هَذَا الرَّجُلِ الْمُبْتَلَى؟ قَالَ: هَلْ تَعْرِفِينِي؟ قَالَتْ: لا، قَالَ: إِنَّهُ إِلَهُ الأَرْضِ، وَأَنَا الَّذِي صَنَعْتُ بِصَاحِبِكِ مَا صَنَعْتُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَبْدَ إِلَهَ السَّمَاءِ وَتَرَكَنِي، فَأَغْضَبَنِي، وَلَوْ سَجَدَ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً رَدَدْتُ عَلَيْهِ وَعَلَيْكُمَا مَا كَانَ لَكُمَا مِنْ وَلَدٍ وَمَالٍ فَإِنَّهُ عِنْدِي، ثُمَّ أَرَاهَا إِيَّاهُمْ فِيمَا يُرَى بِبَطْنِ الْوَادِي الَّذِي لَقِيَهَا فِيهِ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَيُّوبَ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا قَالَ لَهَا وَمَا أَرَاهَا، قَالَ: وَلَقَدِ أَتَاكِ عَدُوُّ اللَّهِ يَفْتِنُكِ عَنْ دِينِكِ، ثُمَّ أَقْسَمَ إِنِ اللَّهُ عَافَاهُ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةَ ضَرْبَةً، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ جَاءَهُ النَّفَرُ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا مَعَهُ وَصَدَّقُوهُ، وَمِنْهُمْ فَتًى حَدِيثُ السِّنِّ، قَدْ كَانَ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، فَجَلَسُوا إِلَى أَيُّوبَ، وَنَظَرُوا إِلَى مَا بِهِ مِنَ الْبَلاءِ، فَأَعْظَمُوا ذَلِكَ وَفُظِعُوا بِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: وَلَقَدِ أَعْيَانَا أَمْرُكَ يَا أَيُّوبُ، إِنْ تَكَلَّمْتُ فَمَا لِلْحَدِيثِ فِيكَ مِنْ مَوْضِعٍ، وَإِنْ سَكَتُّ عَنْكَ عَلَى مَا نَرَى فِيكَ فَذَلِكَ أَشَدُّ عَلَيْنَا، غَيْرَ أنَّا نَرَى مِنْ أَعْمَالِكَ أَعْمَالا لا نَرْجُو لَكَ مِنَ الثَّوَابِ عَلَيْهَا غَيْرَ مَا نَرَى، وَإِنَّمَا يَحْصُدُ امْرُؤٌ مَا زَرَعَ، وَإِنَّمَا يُجْزَى بِمَا عَمِلَ، مَعَ أَنِّي أَشْهَدُ عَلَى اللَّهِ الَّذِي لا يُقَدَّرُ قَدْرُ عَظَمَتِهِ، وَلا يُحْصَى عَدَدُ نِعْمَتِهِ أَنَّهُ حَكَمٌ لا يَجُورُ، وَهُوَ إِلَى الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ أَسْرَعُ مِنْهُ إِلَى الْغَضَبِ وَالْعُقُوبَةِ، فَتَكَلَّمَ أَيُّوبُ بِجَوَابِهِمْ، فَقَالَ الآخَرُ: أَتُحَاجُّ اللَّهَ يَا أَيُّوبُ فِي أَمْرِهِ، أَمْ تُرِيدُ أَنْ تُنَاصِفَهُ فِي حُكْمِهِ، أَمْ تُزَكِّي نَفْسَكَ وَأَنْتَ خَاطِئٌ، أَمْ تُبْرِئْهَا وَأَنْتَ سَقِيمٌ؟ مَاذَا يَنْفَعُكَ وَيُغْنِي عَنْكَ أَنْ تَرَى أَنَّكَ بَرِيءٌ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِكَ خَطِيئَتُكَ، وَأَوْثَقَكَ عَمَلُكَ، وَأُحْصِيَ عَلَيْكَ ذَنْبُكَ، وَأَنْتَ مُصِرٌّ إِصْرَارَ الْمَاءِ الْجَارِي فِي صَبٍّ لا يُطَاقُ حَبْسُهُ، وَذَكَرَ كَلامًا كَثِيرًا، وَكَلامَ أَيُّوبَ فِي جَوَابِهِمْ، فَقَالَ الْفَتَى الَّذِي حَضَرَهُمْ: إِنَّكُمْ تَكَلَّمْتُمْ أَيُّهَا الْكُهُولُ قَبْلِي، وَكُنْتُمْ

1 / 78