وما الأرض بين الكائنات التي ترى
بعينيك إلا ذرة صغرت حجما
وأنت على الأرض الحقيرة ذرة
تحاول جهلا أن تحيط بها علما
وهذا غاية ما يقوله المفكر المتواضع أمام عظمة الكون؛ لكبح الغلاة من الباحثين في حقائقه عن الشطط الأهوج والغرور الكاذب، بقدرة العقل البشري على إدراك هذه الأسرار المطبقة حول حقائق الوجود.
والذي نلاحظه في مواقف «الزهاوي» العقلية بين الشك واليقين سهولة شكوكه وسهولة ردوده عليها في وقت واحد.
فكل شكوك «الزهاوي» بلا استثناء مما يقبل الرد والاستخفاف من النظرة الأولى؛ لأنها مبنية على تصور العامة الجهلاء للخرافات والأساطير التي يلصقونها بالدين وهو بريء منها بعيد عنها، وليس من هذه الشكوك شك واحد يقوم على فهم الدين كما ينبغي أن يفهمه المؤمنون به على صحته، وقد كان خطأ «الزهاوي» الأكبر أنه يتلقى حجة العقائد من الأوهام الشائعة بين المقلدين دون الثقات المجتهدين، وإنما تقوم قضية الدين على الضمير الإنساني الذي يناط به التمييز بين كل دعوة تشيع في العالم، ولم تقم حجة الدين قط على ما يفهمه المقلدون أو يفهمه المغرورون من الأدعياء، وإنما تقوم حجته على البصيرة الصادقة والوحي الأمين.
لا جرم كان تقريره لقواعد الإيمان بعد ذلك سهلا غنيا عن جهد التردد والبحث في أمثال تلك الشكوك، ومن حق من يبتلى بأمثال تلك الشكوك أن يثوب يقينه إلى يقين «الزهاوي» الذي عبر عنه بهذه الأبيات في موقف الحساب:
قال ما دينك الذي كنت في الدن
يا عليه وأنت شيخ كبير؟
Unknown page