وكان الأستاذ وجدي بك يؤثر الكتابة في مسكنه، وقلما يجلس في مكتبه إلا لاستقبال زائر أو مراجعة عمل من أعمال الصحيفة، وإذا ب «محمد فريد بك» يحضر إلى الدار ذات يوم على غير موعد، فجلست معه أتحدث إليه ريثما يرتدي الأستاذ وجدي بك ويحضر للقائه.
ولست أذكر تاريخ اليوم على التحقيق، ولكني أذكر أنه كان بعد أوائل شهر مايو سنة 1908؛ لأن حديثي مع «سعد» - رحمه الله - كان مدار الكلام في تلك الفترة، وقد جرى حديثي مع «سعد» حوالي ذلك التاريخ، وكان أول حديث لصحفي مصري مع أحد الوزراء المصريين.
قال «فريد بك» - رحمه الله - بعد أن عرفني: «إنك لتحفظ لجارك في درب الجماميز حق الجوار.»
ففهمت ما أراد، وقلت: «وهو حقيق بحفظ الجوار.»
ثم انتقل الكلام إلى تعليم اللغة العربية، فقلت: إن تحويل التعليم من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية في جميع مراحل التعليم لا يتأتى في شهر واحد ولا في سنة واحدة؛ لأنه خطوة لا بد أن تسبقها خطوة أخرى من تخريج المعلمين وتأليف الكتب أو ترجمتها.
ووافق ما قلت أن سعدا قد أمر في تلك السنة نفسها بتعيين المتخرجين من مدرسة المعلمين للتدريس في المدارس الثانوية، والابتداء بالتعليم باللغة العربية في السنة الأولى من تلك المدارس، ثم في السنة الثانية.
ولاح لي أن «فريد بك» لا يصر كثيرا على قوله في هذا الموضوع، ويحيل فيه إلى ما يذكره الشيخ عبد العزيز جاويش.
ثم حضر الأستاذ وجدي واستأذنت في الذهاب إلى مكتبي، وانصرف فريد بك بعد قليل.
تلاحقت الضربات على ذلك الزعيم الكريم وذهب الاضطهاد الظالم بثروته العريضة، وهي تقدر يومئذ بمئات الألوف.
وغادر الرجل القطر ليستطيع العمل في حرية وطلاقة، واستقر به المطاف في عاصمة الدولة العثمانية.
Unknown page