ففهم الدكتور مقصده من هذه المقدمة التي تعودها منه - على ما يظهر - كما تعودها محدثوه، وقال ما معناه: وهل العمل في الأرض محرم في شريعة الحكمة؟
قال: أنا لم أقل هذا.
وأردت أن أشترك في المناوشة فقلت: إنما هو سؤال ليس إلا.
قال الدكتور «بهي الدين»: أهو سؤال بريء؟
قال الأستاذ: أما أنه سؤال بريء فلا!
ومضى الدكتور «بهي الدين» يتحدث عن العمل الذي يسافر إلى العزبة من أجله، ومنه مشروعات للتعاون والخدمة الاجتماعية لمصلحة الفلاحين.
فعاد الأستاذ يقول: أما هذا فمرخص به للرجل العام.
وقد كان أقدم زملائه وأصدقائه من أيام الدراسة الثانوية «عبد العزيز فهمي» باشا يداعبه كثيرا من هذه الناحية، ويقول كلما خالفه في رأي من آرائه الفلسفية أو اللغوية: إنك يا «لطفي» تفكر للكون كله، ولا يعنيك أمر الزمن القريب ولا أمر هذه الخلائق الفانية.
وكان أمتع ألوان الحديث بين الرجلين الكبيرين تلك الأحاديث التي كانت تجري بينهما في السيارة أثناء الطريق من دار المجمع إلى «مصر الجديدة»، حيث يقيمان وأقيم على مقربة منهما، ويتفق كثيرا أن يدعواني إلى صرف سيارتي ومصاحبتهما بعد انتهاء جلسات المجمع، ولا سيما الجلسات التي يطرأ عليها بعض الخلاف بيني وبين «عبد العزيز باشا» في مسائل اللغة أو الأدب، وحدث ذلك كثيرا أيام المناقشة على كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، وهو موضوع شغل صاحبنا القانوني الكبير يومئذ عدة شهور، ولم يكن يطيق المعارضة فيه.
فقال لي مرة، وقد أنس من الأستاذ «لطفي» شيئا من الميل إلى ترجيح رأيي: «اوع تطلع فيها يا عقاد على طريقة أستاذنا «لطفي»، إن «لطفي» ينظر إلى هذه الأمور التي نشتغل بها نظرة الأرباب، قل له: ما رأيك إذا كتبت العربية غدا بالحروف الصينية؟ يقل لك على الأثر: «ويجرى إيه؟»»
Unknown page