وكان جيش العثمانيين يؤدى خدمة عظيمة لحجاج المسلمين ولما كان بين العرب أمراء للأقاليم نزل عليهم كثير من الرحالة ضيوفا ، ويسمى العرب الواحد منهم سلطان البر أما عرب صحراء الشام فيسمون شيوخهم آل بنى رشيد وآل بنى عمر وآل بنى رباج وآل بنى زهد ، أما الآن فيقال لوزراء مصر عزيز مصر والمتولى ، ونظام الدولة وكافل مصر ووالى مصر ويسمون كذلك والى مصر (الصوباشى) وهذا المنصب تبقى من عهد الفراعنة وفرعون فى أول أمره كان صوباشيا إلى أن غير الملك ثوبه فصلبه فى سوق الصليبة وبعد ذلك أصبح فرعون ملكا مستقلا وقال : «أنا ربكم الأعلى» ، وبمرور الزمان قل لقب صوباشى إلى أن جاء الإمام الشافعى فما وجد فى مصر صوباشى.
* حكاية غريبة
قدم الإمام الشافعى من بغداد ، ولما وطأت قدمه مصر سرق اللصوص داره ، إلا أن كل ما أخرج من مؤلفات لم يضع ، وإن سرقوا مئات منها فاكتأب لذلك الإمام الشافعى وأخذه مر الأسى لضياع مؤلفاته النفيسة. ومضى إلى السلطان محمد سلطان الأكراد ، وبسط رجاءه بأن يعين صوباشيا على أن يكون شديدا فقبل رجاءه ، فجعل هذا الرجل عالى مصر سافلها ، وإن كان مدبرا ، وسديد الرأى ، وصاحب فراسة.
واحتفل ذات ليلة فى منزله بالمولد الشريف ، ودعا جميع علماء مصر إلى حضور هذا المولد ، وأثناء الكلام قال الصوباشى :
لقد سمعتم بأن الإمام الشافعى تكرم على بأن جعلنى صوباشيا ، وهو الآن يطلب منا رشوة فهل يكون المذهب الشافعى حلالا لنا؟. وأنتم بما أنكم علماء مصر هل ترون هذا الظلم جائز؟ وهل جميع علماء مصر على المذهب الشافعى؟ قال هذا وفى قلبه مرارة. فقال علماء مصر فى التو : يا أيها الوالى خذ حذرك ولا تقدم فلسا ونحن لا نقبل مذهبه وهو مذهب صاحب تفسير جرير ، وقد شئنا أن نسرق كل ما لديه من كتب ونحرقها جميعا بعد بضعة أيام كما نريد رجمه أو ننفيه إلى السودان.
وقد تلقى الصوباشى هذا بأدب وقال : يا أيها النقباء ويا أساتذتى أتموا المولد والآن خذوا صرتكم وعطيتكم. ومضى يتجول فى المدينة بحجة الحراسة ، ثم انطلق إلى السلطان محمد سلطان الأكراد وعرض عليه كل ما قال العلماء ، فامتطى فرسه وحبس
Page 109