إن تمّ أفضى ولابدّ إلى أن تحلّ تلك التجارة محلّ التجارة المحليّة.
وثانيًا: أن تتألّف شركات أجنبية لاحتكار بعض الامتيازات التجارية والصناعية فإنّها وإن أفادت البلاد كثيرًا من ناحية الاجتماع إلّا أنّها تضرها ضررًا بليغًا من جهة الاقتصاد، إنّي أميل كثيرًا إلى الشركات وأعرف بكلّ تأكيد أنّ ما يقدر عليه الاثنان قد لا يقدر عليه الواحد، بل يمكن للجماعة الاتيان بما يستحيل على الفرد مهما توفّرت له الأسباب والوسائل، أفهم هذا، وأفهم كذلك بجانبه أن بلاد الشرق خصوصًا بلاد الشام تحتاج كثيرًا إلى تأليف الشركات لإيجاد المرافق والمصالح الّتي تستدعيها حالة البلاد، غير أنّي لا أحبّ أن تتكوّن هذه الشركات من الأجانب متى كان يمكن أن تتألّف من أهل البلاد نفسها وقد يوجد والحمد لله رجال سوريّون وعندهم ثروة طائلة، سواء المقيمون في بلادهم أو في مصر وغيرها، لا أحسب أنّ هؤلاء يضنّون على أوطانهم بإيجاد الشركات اللازمة منهم أنفسهم ليدوم للبلاد مجدها ويحفظ لها سعدها، إنّ من أسباب الأزمات المالية في البلاد وفرة المال وهي لا تتيّسر في الغالب إلّا من وجود أغنياء الأجانب فيها وتساهل المصارف أيضًا، يجيء الأجنبي ليشتري أرضًا يزرعها أو يبني فيها بيتًا فيفرح الوطني ببيع جزء من أرضه عندما ينقده ذلك المبتاع ثمنًا زائدًا عن المعتاد الّذي تسواه قيمة الأرض، وهو لا يدري ماذا سيجلبه له ولمواطنيه هذا الربح من الشقاء المستمر والخسارة الكبيرة، الأجنبي ثريّ ولا يبالي أن ينقد عمّاله أجرًا عظيمًا ليصطنعهم لنفسه ويستخلصهم لخدمته، فالعامل الّذي نفرض أنّه كان يتقاضى في خدمة سيّده الوطني ثلاثة قروش عندما يجده، يأخذ أجره من ذلك الأجنبي عشرة قروش مثلًا لابدّ أن يطمح إلى الزيادة أو بالأقل لا تهبط به نفسه يومًا أن يعود
فيشتغل عند الوطني بدون ذلك المبلغ، بل هو يفضّل إذا اقتضته إلى الشغل ضرورة أن يموت على أن يعيش وتنكرها العفة والمروءة، وعلى ذلك ترتفع أجر العمال أضعاف ما كانت عليه حتّى لا يسع صاحب المزرعة إلّا الرضوخ لطلب عماله، ثمّ لا يخرجه من هذا الحرج سوى أن يعلي هذه الزيادات على أثمان المحاصيل وذلك يستعقب غلوّ أسعار الأشياء كلّها تقريبًا لارتباطها بعضها ببعض إلى حدّ أن يستغرق هذا الغلاء ما كان ربحه البائع وأضعاف أضعافه، ذلك فضلًا عن الخسارة التي تعود على غيره من أهل بلاده ومواطنيه،