203

عبد الملك إلا الحجاج وتوليته إياه على المسلمين وعلى الصحابة والتابعين رضياللهعنهم يهينهم ويذلهم قتلا وضربا وشتما وحبسا ، وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين ما لا يحصى فضلا عن غيرهم ، وختم في عنق أنس وغيره من الصحابة ختما ، يريد بذلك ذلهم فلا رحمه الله ولا عفا عنه.

قلت : وأغرب من تولية عبد الملك الحجاج بن يوسف توصيته ولده الوليد به عند موته ، فقد قال له وهو يجود بروحه : وانظر إلى الحجاج فأكرمه ، فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر ، وهو سيفك يا وليد ، ويدك على من ناوأك ، فلا تسمعن فيه قول أحد ، وأنت إليه أحوج منه إليك. فكأن عبد الملك تحمل تبعة أعمال الحجاج حيا وميتا.

ومن أغرب الغرائب أن بعض الناس يلتمس العذر لعبد الملك بقوله : إن الحجاج هو الذي أنقذ ملك بني أمية ، وأنه لولاه لانتقلت الخلافة إلى آل الزبير ، فإن الناس بعد موت يزيد بن معاوية بايعوا عبد الله بن الزبير ، وكان فحل قريش الصائل في وقته ، لا يدركه أحد في شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة ، وأطاعه الحجاز واليمن والعراق وخراسان ، ولم يمتنع عن مبايعته إلا أهل الشام ومصر ، فإنهم بايعوا معاوية بن يزيد ، إلى أن مات ، فبايعوا ابن الزبير ، إلى أن خرج مروان بن الحكم ، فغلب على الشام ومصر.

والحافظ الذهبي لا يعده من أمراء المؤمنين ، بل يعده باغيا خارجا على ابن الزبير ، ويعد عهده لابنه عبد الملك بن مروان غير صحيح ، وقد صحح السيوطي هذا القول.

** وهذا يدل على أن أصل الولاية في الإسلام هو ولاية الأمة ، وأن

لا ملك ولا خلافة إلا من الأمة (1)، وأن الاختيار هو الشرط الأول

Page 239