103

الكيفية ، فيقصد مكة ذوو الترف واليسار ، وأناس كانوا يتوقفون عن أداء هذه الفريضة بسبب ما كانوا يخشونه من الأمراض ، أو من فقد أسباب الراحة التي ألفوها.

** ولا ينبغي أن يظن أن تقدم المسلمين في المعارف ، ورقيهم في سلم

المدنية في المستقبل قد ينتهيان بتناقص عدد حجاج البيت الحرام ، فقد ترقت الأمم الأوربية كثيرا في المدنية ، وغلبت على قسم كبير منها الفلسفة واللادينية ، ولا يزال زوار القدس من المسيحيين كل سنة عددا كبيرا ، ولا يزال قصاد رومة كل سنة من الكاثوليك عددا أكبر ، وما يقدر العلم أن يصنع شيئا مع الدين ، ما دام سر الكون النهائي لا يبرح مغلقا ، وما دام الإنسان عاجزا عن مكافحة الموت ، لا بد للخلق من الدين ، وما ثورات الإلحاد إلا غمرات ثم ينجلين.

** فالنزعات اللادينية والنزعات الإلحادية التي تعرض على المجتمع

الإنساني في [هذه] الأحايين ، إن هي إلا عوارض مؤقتة ، لا يمكن أن تكسب شكلا عاما ، ولا أن تقوم مقام العقائد الدينية الضرورية للبشر ، وقد سبقت لها أماثيل متعددة في تاريخ أكثر الأمم ، وعصفت ريح الإلحاد في بعض الحقب ، ثم لم تلبث أن هدأت واستقرت ، وعاد الأمر كما بدأ.

** وفي الثورة الفرنسوية الكبرى أقفلوا الكنائس ، وقتلوا القسيسين

، وشردوا جميع خدمة الدين ، واغتصبوا الأوقاف ، وأزالوا عنها صفة الوقف ، وجعلوا العبادة للعقل ، وظن الناس أن الكنيسة الكاثوليكية في فرنسة دخلت في ذمة التاريخ ، وصارت أثرا بعد عين ، ولكن لم تمض بضع سنوات على هذا العمل حتى ركدت تلك الزوبعة ، وعادت العقيدة الدينية إلى نصابها

Page 137