أو غير ذلك من الحوائج ولا يعرفون للدراهم قدرا وكانوا لذلك كنعمهم غفلا لم يدخل التجار بلدهم ولا صادرتهم العمال عن أموالهم إذ لا حكم لأحد من العمال عليهم إلا أشياء قليلة يؤدونها في بعض الأحيان لصاحب أو جيلة وأوجلة قرية كبيرة أو بلد عظيم لا يخلو من العلماء والصلحاء بقرب برقة تتسوقه الناس مع كل بلد وهو في حكم طرابلس لأن غير أن حكمه فيه ضعيف نفعنا الله بأهله.
وأما صاحب طرابلس فلم يكن له عليهم إذ ذاك حكم وأما الآن فهم تحت أيالته وفي أسر طاعته يؤدون الخراج ويدخل التجار من أهل طرابلس ومسراتة بلدهم لشراء الإبل والبقر والغنم والصوف والأدام فبذلك حصل لهم بعض الخبرة بقيم الأشياء ومقاديرها وعرفوا الدينار والدرهم وأما قبل ذلك فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
غريبة عرب هذا الجبل من أشد العرب كفرا ونفاقا لا يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله ليس عندهم من الدين إلا اسمه لا حرفة لهم بعد تنمية المواشي إلا النهب والغارة قل ما مر بهم ركب فسلم من انشاب الحرب بينهم وبينه بسبب غدرهم وفتكهم عن اشتغال الناس بالسوق معهم وقد وقع ذلك معهم مرارا قال وأغرب من ذلك أنهم لا يعرفون السرقة فيحترس الناس منهم نهارا خشية النهب والغارة وبالليل يبيت الناس رقودا مطمئنين لا تسرق لهم حاجة وما ذاك والله اعلم إلا لانقطاعهم عن العمران وتوحشهم والسرقة في الغالب إنما تعهد حيث يكثر العمران وتجتمع أجناس من الناس وتعمر أسواق ويوجد بيع وشراء.
وأما هؤلاء فأعداؤهم بعيدون منهم لا يقدرون منهم إلا على الغارة المرة بعد المرة وفيما بينهم يامن بعضهم بعضا فالقوا ذلك نوادر هذا الجبل في رخاء الأدام وغفلة أهله عن قيمته وكثرة خصبه وبيعهم لبناتهم وأخواتهم وغير ذلك أشهر من
Page 270