Riḥlat Ibn Baṭṭūṭa
رحلة ابن بطوطة
Publisher
دار الشرق العربي
الحجر الكريم فتنجلي منه العيون حسنًا باهرًا ولتقبيله لذة يتنعم بها الفم ويود لاثمه أن لا يفارق لثمه خاصية مودعة فيه وعناية به وكفى قول النبي صلى الله عله وسلم أنه يمين الله في أرضه١ نفعنا الله باستلامه ومصافحته وأوفد عليه كل شيق٢ إليه وفي القطعة الصحيحة من الحجر الأسود مما يلي جانبه ليمين مستلمه نقطة بيضاء صغيرة مشرقة كأنها خال في تلك الصحيفة البهية وترى الناس إذا طافوا بها يتساقط بعضهم على بعض ازدحامًا على تقبيله فقلما يتمكن أحد من ذلك إلا بعد المزاحمة الشديدة وكذلك يصنعون عند دخول الحرم ومن عند الحجر الأسود ابتداء الطواف وهو أول الأركان التي يلقاها الطائف فإذا استلمه تقهقر عنه قليلًا وجعل الكعبة الشريفة عن يساره ومضى في طوفه ثم يلقى بعده الركن العراقي وهو إلى جهة الشمال ثم يلقى الركن الشامي وهو إلى جهة الغرب ثم يلقى الركن اليماني وهو إلى جهة الجنوب ثم يعود إلى الحجر الأسود وهو إلى جهة الشرق.
خبر المقام الكريم:
اعلم أن بين باب الكعبة شرفها الله وبين الركن العراقي موضعًا طوله اثنا عشر شبرًا وعرضه نحو النصف من ذلك وارتفاعه نحو شبرين وهو موضع المقام في مدة إبراهيم ﵇ ثم صرفه النبي ﷺ إلى الموضع الذي هو الآن مصلى وبقي ذلك الموضع شبه الحوض وإليه ينصب ماء البيت الحرام إذا غسل وهو موضع مبارك يزدحم الناس للصلاة فيه وموضع المقام الشريف يقابل ما بين الركن العراقي والباب الشريف وهو إلى الباب أميل وعليه قبة تحتها شباك حديد متجاف عن المقام الشريف قدر ما تصل أصابع الإنسان إذا ما أدخل يده من ذلك الشباك إلى الصندوق والشباك مقفل ومن ورائه موضع محوز قد جعل مصلى لركعتي الطواف وفي الصحيح أن رسول الله ﷺ لما دخل
١ قال الصنعاني في سبل السلام: وروى الأزرقي بإسنادٍ صحيحٍ من حديث ابن عباس ﵄ قال: "إن هذا الركن يمين الله ﷿ في الأرض يصافح به عباده مصافحة الرجل أخاه". وأخرج عنه: "الركن يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه والذي نفس ابن عباس بيده ما من امرئ مسلم يسأل عنده شيئًا إلاّ أعطاه إيّاه".
٢ أي: مشتاق متشوف إليه.
1 / 103