Rihla
رحلة ابن جبير - الجزء1
Publisher
دار بيروت للطباعة والنشر
Edition Number
الأولى
Publisher Location
بيروت
ومن أعجب ما اختبرناه من فوكهها البطيخ والسفرجل وكل فواكهها عجب لكن للبطيخ فيها خاصة من الفضل عجيبة وذلك لأن رائحته من أعطر الروائح وأطيبها يدخل به الداخل عليك فتجد رائحته العبقة قد سبقت إليك فيكاد يشغلك الاستمتاع بطيب رياه عن أكلك إياه حتى إذا ذقته خيل إليك إنه شيب بسكر مذاب أو بجني النحل اللباب ولعل متصفح هذه الاحرف يظن أن في الوصف بعض غلو كلا لعمر الله إنه لأكثر مما وصفت وفوق ما قلت وبها عسل أطيب من الماذي١ المضروب به المثل يعرف عندهم بالمسعودي.
وأنواع اللبن بها في نهاية من الطيب وكل ما يصنع منها من السمن فإنه لا تكاد تميزه من العسل طيبا ولذاذة ويجلب إليها قوم من اليمن يعرفون بالسرو نوعا من الزبيب الأسود والأحمر في نهاية الطيب ويحلبون معه من اللوز كثيرا. وبها قصب السكر أيضا كثير بجلب من حيث تجلب البقول التي ذكرناها والسكر بها كثر محلوب وسائر النعم والطيبات من الرزق والحمد لله.
وأما الحلوى فيصنع منها أنواع غريبة من العسل والسكر العقود على صفات شتى انهم يصنعون بها حكايات جميع الفواكه الرطبة واليابسة وفي الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان يتصل منها أسمطة٢ بين الصفا والمروة ولم يشاهد أحد أكمل منظرا منها لا بمصر ولا بسواها قد صورت منها تصاوير إنسانية وفاكيهة وصليت في منصات كأنها العرائش ونصدت بسائر أنواعها المنضدة الملونة فتلوح كأنها الازاهر حسنا فتقيد الأبصار وتستنزل الدرهم والدينار.
وأما لحوم ضأنها فهناك العجب الجيب قد وقع القطع من كل من نطوف على الآفاق وضرب نواحي الأقطار أنها أطيب لحم يؤكل في الدنيا.
١ الماذي: العسل الأبيض، أو جيده. ٢ الأسمطة، الواحد سماط: المائدة.
1 / 98