قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ قَبْلَهُ» (١).
فَأَبَاحَ ابْنُ مَسْعُودٍ التَّقْلِيدَ لِلْأَمْوَاتِ، وَقَضَاءِ الصَّالِحِينَ عَلَى التَّحَرِّي وَالِاحْتِيَاطِ.
فمَنْ هَذَا المَرِيسِيُّ الضَّالُّ الَّذِي يَحْظُرُه عَلَى الأُمَّةِ؟ وَمن هو حَتَّى يُسْتَحَلَّ بِقَوْلِهِ شَيْءٌ أَوْ يُحَرَّمَ؟
وَقَالَ شُرَيْحٌ وَابْنُ سِيرِينَ: «لَنْ نَضِلَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِالأَثَرِ».
[٤٧/و] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «مَا الأَمْرُ إِلَّا الأَمْرُ الأَوَّلُ، لَوْ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ لم يَغْسِلُوا إِلَّا الظُفُرَ مَا جَاوَزْنَاهُ، كَفَى إِزْراءً عَلَى قَوْمٍ أَنْ تَتَخَالَفَ أَعْمَالُهُمْ».
فالِاقْتِدَاءُ بِالآثَارِ تَقْلِيدٌ! فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِي دَعْوَى المَرِيسِيِّ أَنْ يَقْتَدِيَ الرَّجُلُ بِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الفُقَهَاءِ، فَمَا مَوْضِعُ الِاتِّبَاعِ الَّذِي قَالَه الله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: ١٠٠]؟ وَمَا يَصْنَعُ بِآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، بَعْدَ أَنْ لَا يَسَعَ الرَّجُلُ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا مَا اسْتَنْبَطَهُ بِعَقْلِهِ فِي خِلَافِ الأَثَرِ؟
إِذًا بَطَلَتِ الآثَارُ وَذَهَبَتِ الأَخْبَارُ، وَحُرِّمَ طَلَبُ العِلْمِ عَلَى أَهْلِهِ، وَلَزِمَ النَّاسُ المَعْقُولَ، مِنْ كُفْرِ المَرِيسِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَالمُسْتَحِيلَاتِ مِنْ تَفَاسِيرِهِم، فَقَدْ عرضنَا كَلَامَهُم عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّة، فَأَخْطَئُوا فِي أَكْثَرِهَا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَلَمْ يُصِيبُوا السُّنَّةَ.
(١٦٦) حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ المَصْرِيُّ، عَنِ الهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ: مَا رَأْيُ امْرِئٍ فِي أَمْرٍ بَلَغَهُ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ إِلَّا اتِّبَاعه، ولَوْ لم
(١) أخرجه النسائي (٨/ ٢٣٠)، وعبد الرزاق (١٥٢٩٥)، والدارمي أبو محمد (١٦٧)، والحاكم (٤/ ١٠٦)، وصححه ووافقه الذهبي، وغيرهم.