تَحَدِّثُنَا عَن الزَّامِلَتَيْنِ.
وَيْحَكَ أَيُّهَا المُعَارِضُ! إِنْ كَانَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو أَصَابَ الزَّامِلَتَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الكِتَابِ يَوْمَ اليَرْمُوكِ، فَقَدْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ أَمِينًا عِنْدَ الأُمَّةِ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ أن لَا يَجْعَلَ مَا وَجَدَ فِي الزَّامِلَتَيْنِ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ، وَلَكِنْ كَانَ يَحْكِي عَنِ الزَّامِلَتَيْنِ مَا وَجَدَ فِيهِمَا، وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ مَا سَمِعَ مِنْهُ، لَا يُحِيلُ ذَاكَ عَلَى هَذَا وَلَا هَذَا عَلَى ذَاكَ، كَمَا [٤٤/و] تأوَّلتَ عَلَيْهِ بِجَهْلِكَ، وَاللهُ سَائِلُكَ عَنْهُ.
فَأَقْصِرْ أَيُّهَا الرَّجُلُ مِنْ طَعْنِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله ﷺ فِي الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عِنْدَ الأُمَّةِ فِي مَوْضِعِ الجَرْحِ كَمَا ادَّعَيْتَ عَلَيْهِمْ -وَلَيْسُوا كَذَلِكَ-؛ مَا كَانَتْ لَكَ حُجَّةٌ عَلَى أَلْفٍ سِوَاهُمْ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ مِمَّنْ لَا تَجِدُ سَبِيلًا إِلَى الطَّعْنِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ رَوَوْا مِنْ ذَلِكَ مَا يَغِيظُكَ.
وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الكَلِمَةُ مِنْ جَمِيعِ الفُقَهَاءِ أَنَّ شَهَادَاتِ العُدُولِ إِذَا شَهِدَ مَعَهُمْ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَا يَسْقُطُ.
وَلَا يُجْعَلُ مَثَلُ السَّوْءِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ الله ﷺ وَكُلُّهُمْ بِحَمْدِ الله عُدُولٌ، يُؤْتَمَنُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله ﷺ، وَالمَجْرُوحُ مَنْ جَرَحَهُمْ، وَلَا يُزَيَّفُ مِائَةُ أَلْف حَدِيثٍ مَشْهُورَةً مَحْفُوظَةً مَأْثُورَةً عَنِ الثِّقَاتِ إِذْ وُجِدَ فِيهَا مِائَةُ حَدِيثٍ مُنْكَرَةً، وَلا يُجْرَحُ أَلْفُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الإِتْقَانِ وَالحِفْظِ فِي الرِّوَايَةِ، إِذْ وُجِدَ فِيهِمْ عِشْرُونَ رَجُلًا يُنْسَبُونَ إِلَى الغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ وَقِلَّةِ الإِتْقَانِ.
فَارْبَحِ العَنَاءَ فِيمَا لَيْسَ لَكَ فِيهِ شِفَاءٌ، وَكَمَا لَا يُبَهْرَجُ مِائَةُ دِينَارٍ إِذَا وُجِدَ دِينَارَانِ زَائِفَانِ، وَلَا نَحْكُمُ عَلَى جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ بِالجَرْحِ إِذْ وُجِدَ فِيهِمْ مَجْرُوحَان، وَلَكِن نُزَيِّفُ الزَّائِفَ مِنْهَا وَنُرَوِّجُ المُنْتَقَدَةَ.