بَابُ مَا جَاءَ فِي العَرْشِ
ثُمَّ انْتَدَبْتَ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ مُكَذِّبًا بِعَرْشِ اللهِ وَكُرْسِيِّهِ، مُطْنِبًا فِي التَّكْذِيبِ بِجَهْلِكَ، مُتَأَوِّلًا فِي تَكْذِيبِهِ بِخِلَافِ مَا تَعْقِلُهُ العُلَمَاءُ.
فَرَوَيْتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَعلمه».
قُلْتَ: فَمَعْنَى الكُرْسِيِّ: العِلْمُ، فَمَنْ ذَهَبَ فيه إِلَى غَيْرِ العِلْمِ أَكْذَبَهُ كِتَابُ الله تَعَالَى.
فَيُقَالُ لِهَذَا المَرِيسِيِّ: أَمَّا مَا رَوَيْتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرٍ الأَحْمَرِ، وَلَيْسَ جَعْفَرٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ، إِذْ قَدْ خَالَفَتْهُ الرُّوَاةُ الثِّقَاتُ المُتْقِنُونَ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ البَطِينُ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَير، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الكُرْسِيِّ خِلَافَ مَا ادَّعَيْتَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
(٨٩) حَدثنَاه يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: «الكُرْسِيُّ مَوْضِعُ القَدَمَيْنِ، والعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلَّا الله» (١).
فَأَقَرَّ المَرِيسِيُّ بِهَذَا الحَدِيثِ وَصَحَّحَهُ، وَزَعَمَ أَنَّ وَكِيعًا رَوَاهُ، إِلَّا أَنَّ تَفْسِيرَ القَدَمَيْنِ هَاهُنَا فِي دَعْوَاهُ: الثَّقَلَيْنِ قَالَ: يَضَعُ اللهُ عِلْمَهُ، وَقَضَاءَهُ لِلثَّقَلَيْنِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَحْكُمُ بِهِ فِيهِمْ.
فَهَلْ سَمِعَ سَامِعٌ مِنَ العَالَمِينَ بِمِثْلِ مَا ادَّعَى هَذَا المَرِيسِيُّ؟
وَيْلَكَ! عَمَّنْ أَخَذْتَهُ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْطَانٍ تَلَقَّنْتَهُ؟ فَإِنَّهُ مَا سَبَقَكَ إِلَيْهَا آدَمِيٌّ نَعْلَمُهُ.
(١) صحيح، تقدم تخريجه رقم (٨٣).