وَرَوَيْتَ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ أنه قال: «القُلُوبُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ شَاءُ».
فَأَقْرَرْتَ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَهُ، ثُمَّ رَدَدْتَهُ بِأَقْبَحِ مُحَالٍ، وَأَوْحَشِ ضَلَالٍ. وَلَوْ قَدْ دَفَعْتَ الحَدِيثَ أَصْلًا كَانَ أَعْذَرَ لَكَ مِنْ أَنْ تُقِرَّ بِهِ، ثُمَّ تَرُدَّهُ بِمُحَالٍ مِنَ الحُجَجِ، وَبِالَّتِي هِيَ أَعْوَجُ، فَزَعَمْتَ أَنَّ أُصْبُعِي اللهِ قُدْرَتَيْه، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧] أَيْ: فِي مُلْكِهِ.
فَيُقَالُ لَكَ أَيُّهَا المُعْجَبُ بِجَهَالَتِهِ: فِي أَيِّ لُغَاتِ العَرَبِ وَجَدْتَ أَنَّ أُصْبُعَيْهِ: قُدْرَتَيْهِ؟ فَأَنْبِئْنَا بِهَا، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَاهَا خَارِجَة من جَمِيع لُغَاتِهم.
إِنَّمَا هِيَ قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ قَدْ كَفَتِ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا وَمَلَأَتْهَا وَاسْتَنْطَقَتْهَا، فَكَيْفَ صَارَتْ لِلْقُلُوبِ مِنْ بَيْنِ الأَشْيَاءِ قُدْرَتَانِ؟ وَكَمْ تَعُدُّهَا قُدْرَةً؟ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ»، [٢٠/ظ] وَفِي دَعْوَاكَ: هِيَ أَكْثَرُ مِنْ قُدْرَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ. حَكَمْتَ فِيهَا لِلْقُلُوبِ قدرتين وَسَائِرُهَا لِمَا سِوَاهَا، فَفِي دَعْوَاكَ هَذَا أَقْبَحُ مُحَالٍ، وَأَبْيَنُ ضَلَالٍ، فَكَيْفَ ادَّعَيْتَ أَنَّ الأَرْضَ قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ: أَنَّهَا صَارَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي مُلْكِه؟ كَأَنَّهُمَا كَانَتا قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ فِي مُلْكِ غَيْرِه، خَارِجَة عَن مُلْكِهِ، فَكَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهَا -فِي دَعْوَاكَ- حَتَّى صَارَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي مُلْكِهِ!! وَمَا بَالُهَا تَصِيرُ فِي مُلْكِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ مَطْوِيَّاتٍ، وَلَا تَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَنشُورَات؟ وَمَا أَرَاكَ إِلَّا سَتَدْرِي أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿مَطْوِيَّاتٌ﴾ [الزمر: ٦٧]: نَاقِضٌ لِتَأْوِيلِكَ.
وَمِمَّا يَزِيدُهُ نَقْضًا: قَوْلُهُ في المَكَانِ الآخَر: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]، وَقَوْلُ رَسُولِ الله ﷺ: «يَطْوِي الله السَّمَاءَ يَوْم القِيَامَة بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ».