13

Reflections on the Believer's Likeness to the Palm Tree

تأملات في مماثلة المؤمن للنخلة

Publisher

الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

Edition Number

السنة التاسعة والعشرون. العدد السابع بعد المائة. (١٤١٨/١٤١٩هـ)

Genres

ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم"١. ثانيًا: أنَّ النخلة لا تبقى حيّةً إلاّ بمادة تسقيها وتنميها، فهي لا تحيا ولا تنمو إلاّ إذا سُقيت بالماء، فإذا حبس عنها الماء ذبلت، وإذا قطع عنها تمامًا ماتت، فلا حياة لها بدونه، وهكذا الشأنُ في المؤمن لا يحيا الحياة الحقيقية ولا تستقيم له حياته إلاّ بسقي من نوع خاص، وهو سقيُ قلبه بالوحي، كلام الله وكلام رسوله ﷺ؛ ولهذا سمَّى الله الوحيَ روحًا في نحو قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعِلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ ٢، وقوله: ﴿يُنَزِّلُ المَلاَئِكَةَ بالرُوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَّشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ ٣؛ لأنَّ حياة القلوب الحقيقية إنَّما تكون به، وبدونه فإنَّ الإنسان يكون ميتا ولو كان بين الناس من الأحياء ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُلُمُاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ ٤، ولذا يقول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وِلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ ٥، والآيات في هذا المعنى كثيرة. فهذا وجه شبهٍ ظاهرٍ بين المؤمن والنخلة، فالنخلة لا تحيا إلاَّ إذا سُقيت بالماء، والمؤمن لا يحيى قلبُه إلاَّ إذا سُقي بالوحي، وكما أنَّ الأرض الميتة إذا أنزل الله عليها الماء اهتَزَّت ورَبَتْ وأنبتت من كلِّ زوجٍ بهيجٍ، فكذلك القلب الميّت إذا سمع الوحي وقَبِلَه صَلُحَ وحسُنَ ونما فيه من الخير الشيءُ الكثير. ولذا لمّا حذّر الله في سورة الحديد من عدم الخشوع لذكر الله كحال الذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، قال عقِب ذلك

١ الفوائد (ص:٢١٤،٢١٥) . ٢ سورة الشورى، الآية: (٥٢) . ٣ سورة النحل، الآية: (٢) . ٤ سورة الأنعام، الآية: (١٢٢) . ٥ سورة الأنفال، الآية: (٢٤) .

1 / 209