قلت للوزير: إني أتكلم بلسان الفئة الراقية من السوريين - أي: بلسان الشبيبة السورية المتهذبة الحرة المعتدلة، التي تطمح إلى الحرية والاستقلال تدريجا - فقال: نحن متفقون، وأول خطوة تنوي الحكومة الإفرنسية أن تخطوها لتحقق آمال الشبيبة السورية الراقية هي أن تؤسس في البلاد مدارس عمومية إجبارية مجانية علمانية ،
6
وهذه عين الحكمة؛ فإن أساس الحكومات النيابية التهذيب، وسياج الحرية التهذيب، وحياة الأمم الراقية التهذيب، ولم أزل أذكر كلمة الوزير الأخيرة، قال عند الوداع: ذكر إخوانك في أميركا بالمثل السائر: إن الله يساعد من يساعدون أنفسهم ... وقل لهم: إن فرنسا تحب أن تساعدهم ولكنها تحب أيضا أن يكون لهم يد في تحرير بلادهم.
خرجت من النظارة الخارجية مقتنعا أن لا خلاص لنا اليوم إلا بواسطة فرنسا، وأننا إذا أضعنا هذه الفرصة نجني على البقية الباقية في بلادنا المنكوبة، هي فرصة خلاصهم الوحيدة والذنب ذنبنا لا ذنب الأتراك إذا كنا لا نغتنمها اليوم. تركت باريس وجئت نيويورك مقتنعا بصحة المشروع بل بلزومه، وكان في نيتي عند وصولي أن أسعى وبعض الإخوان هنا في تأسيس لجنة لهذه الغاية الوطنية الشريفة المقدسة، ولكني وجدت أن اللجنة قد تأسست بفضل بعض الأدباء الأحرار والتجار، وأن غايتها نفس الغاية التي ننشدها، فانضممت إليها مسرورا، وقد جئنا في هذه الحفلة نعلن أمرها وندعوكم إلى مناصرتها.
إخواني أبناء وطني، هذه أول مرة في تاريخ سوريا أسس السوريين لجنة غايتها التحرير من نير الأتراك، وهذه أول مرة في حياتنا السياسية أقدمنا على عمل لسانه السيف لا القلم وعربونه الدم لا الكلام.
نعم قد نهض اللبنانيون في الماضي يدافعون عن حقوقهم بالسيف ويفادون بحياتهم في سبيل استقلالهم، ولا ننكر ذلك بل نذكره دائما مفاخرين، ولكن قد كان في ما مضى بين لبنان والولايات السورية جدار أقامه الفساد والتفريق، فتمتع اللبناني بحقوق حرمها أبناء الولايات. وأما اليوم فقد قربنا المهجر بعضنا من بعض وأصبح اللبناني وابن الولاية واحدا قلبا وقالبا، غايتنا واحدة، روحنا واحدة، مبدأنا واحدا، خطتنا واحدة، ولجنة تحرير سوريا ولبنان ثمرة هذا التقرب وهذا الائتلاف.
زرع الترك فينا بذور الشقاق
7
في الماضي فنبت شوكا وقلاما ، ولكن مظالمهم الأخيرة حصدت ما زرعوا وتركت الأرض وراءهم بورا، فعلينا نحن سوريي المهجر أن نزرع فيها بذور الوطنية، قد ألفت الفظائع بين المسلم والمسيحي وبين اللبناني وابن الولاية، لم تعف المشانق أحدا لدينه، لم يستثن التجويع أحدا لجنسه، ولم يميز بيننا النهب والسلب والنفي والاضطهاد.
إخواني أبناء وطني، لقد جمعتنا اليوم النكبات فهل تفرقنا العصبيات والتعصبات؟ في هذه اللجنة اللبناني والسوري والفلسطيني يعملون عملا واحدا ويسعون سعيا واحدا، كلنا سوريون وسوريا واحدة لا تتجزأ، وهذا مبدأ من مبادئنا الوطنية السياسية.
Unknown page