353

فأشارت إلى الصليب قائلة: هو ذا خلاصي وتعزيتي الكبرى. - ولكن أبناءك يموتون شهداء لتحيي حياة جديدة، وغدا ترين جيش الحرية في أرضك. - منذ ثلاث سنوات وأنا أسمع كل يوم هذا الكلام، وأعلل النفس بالآمال. - ولكن أبناءك اليوم يتطوعون في جيش الحرية. - لا أصدق حتى أراهم وأرى بريق السيوف والرماح، فقد سمعت أنهم لم يزالوا منقسمين بعضهم على بعض، انظر إلى هذه المشانق، تأمل هؤلاء الشهداء في ساحة الاتحاد - الاتحاد بالموت، الاتحاد بالشهادة - فهل تعرف المسلم وهل تعرف المسيحي؟ هل تميز بين اللبناني منهم والسوري؟ - ولكن في أبنائك يا أمي من يطلبون استقلالك.

فصاحت بي وقد استوت واقفة ترفع إلى السماء يديها: استقلالي! أواه! أواه! استقلالي بماذا يا بني؟ أبالموت والجوع والذل والهوان؟ استقلالي بالمشانق؟ استقلالي بالقبور؟ أتطلبون استقلالي يا بني وأنا في آخر نسمة من الحياة؟ خلصوني أولا ثم اسعوا في استقلالي. - ولكن بعض أبنائك يا أمي لا يريدون خلاصك على يد فرنسا، فمنهم من يفضل إنكلترا، ومنهم من يؤثر العرب، ومنهم من لا يدري ما يفعل ويقول، ومنهم الجبناء الإمعيون الذين ماتت فيهم روح الحنان وعاطفة الشرف والوجدان، أما أبناؤك الأحرار فستشاهدينهم غدا شاكين السلاح، يحاربون في أرضك من أجلك، يفادون بأنفسهم في سبيلك.

فنظرت إلي نظرة يأس واسترحام، وقالت: منذ ثلاث سنوات يا بني وأنا أترقب طلائع الخلاص، منذ ثلاث سنوات وأنا جاثية عند الصليب أسأل الله أن يعطف على أبنائي، أن يفك قيودهم، أن يخفف - في الأقل - شدة النكبات المتوالية عليهم. منذ ثلاث سنوات وأنا مقيمة في ظل المشانق، في ظل الرعب والهول، في ظل الجوع والتجويع، أترقب لأبنائي في أرضي طلوع الفجر، فجر الفرج، فجر الخلاص، فجر الحرية ...

وأبنائي في مصر وباريس والمهجر يتنازعون ويتحزبون ويتخاذلون، وأنا اليوم لا أطلب سوى الفرج وكسرة من الخبز ليأت الفرج يا بني ولو عن يد القرود، ليأت الخلاص ولو عن يد الشياطين ...

أخت البلجيك

حكي أن يوسف لما ملك خزائن الأرض كان يجوع ويأكل من خبز الشعير، فقيل له: أتجوع وبيدك خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.

إخواني السوريين: إذا كنا لا نخاف أن نشبع فننسى الجائع أفلا نخاف أن يقال فينا: إننا أناس لا نعرف التأسي والإحسان، أناس لا أثر في قلوبنا لتلك العاطفة الشريفة عاطفة البر التي تميز الإنسان عن الحيوان؟ سوريا اليوم أخت البلجيك، أختها في الشدة والأسى، أختها في الفاقة والجوع، ونحن في بلاد أميركا راتعون في بحبوحة من العيش تحت سماء الأمن والسلام.

وما منا من ليس له في الوطن المنكوب أم أو أب أو أخ أو أخت أو نسيب، فهلا ذكرناهم اليوم إذا كنا لا نذكر سواهم؟ أننسى سوريا أمنا وهي اليوم تستغيث؟ أننسى البائس فيها والجائع وفي كل ساعة في هذه البلاد يتجلى لنا البر والإحسان في أشرف الحلل وفي أجمل المظاهر البشرية؟ أفلا نشارك الأميركيين أنفسهم - وقد كانوا السابقين - في جمع شيء من المال لإعانة المنكوبين والبائسين في سوريا؟ هي فرصة نقرر فيها - في الأقل - شأننا في هذه البلاد، هي فرصة نثبت فيها أريحية طالما رددتها أمثال العرب، وكرما هو عنوان الشرقي، ووطنية لا تعرف اليوم التحزب والتفريق، وطننا في حاجة إلى المال بل في حاجة إلى ضرورات العيش، فهل نرد فارغة يدا مدت إلينا؟

ينبغي أن نجمع - في الأقل - عشرة آلاف ريال نبعث بها إلى الوطن، ولو كل سوري في الولايات المتحدة يدفع ربع ريال فقط لجمعنا أضعاف هذه القيمة.

فيا أخي السوري - أنت المقيم خارج نيويورك - زك مالك الآن. ريالا واحدا تبذله في سبيل الوطن المنكوب اليوم خير من مائة ريال تبذلها غدا في سبيل إصلاحه واستقلاله. أرسل ما تجود به نفسك إلى الجريدة التي تقرؤها، أو إلى المحل التجاري الذي تتعامل معه، أو إلى صندوق اللجنة لإعانة منكوبي سوريا في نيويورك، وإن ما تجمعه اللجان المختلفة يصل إلى اللجنة الأميركية التي عرضت علينا مساعدتها فيرسل - إذ ذاك - إلى الوطن.

Unknown page