242

رأيت الوردة تفتح للنور قلبها وتميل إلي بوجهها وهي تقول: إن فيك - أيها الإنسان - نسمة من جمالي ونفحة من شذاء كمالي، فهلا كنت نزيها في حبك مثلي؟

ونظرت إلى زهر المسيح وهو يلوح في شقوق الصخور كأنه واقف في بابه ينتظر عودة أحبابه، فسمعته يقول: تراني - أيها الإنسان - أحن حتى إلى الصخور، فهلا كنت وديعا مثلي؟

ونظرت إلى جبل صنين وقد بدت ذؤابته السوداء من تحت كوفيته البيضاء فرأيته يخلع قميصه ليستحم في شمس الربيع، وسمعته يقول: لا العواصف تقعدني - أيها الإنسان - ولا السموم، لا الشتاء ولا الصيف، فهلا كنت ثابتا مثلي؟

ثم حولت نظري إلى مغرب الوادي فرأيت أشجار الصنوبر الشماء تزدحم على ربوة هناك وقد ضاقت بها التربة فاشتبكت أغصانها وجذوعها بعضها في بعض وسمعتها تقول: إن فوق رءوسنا وتحت أقدامنا ما يكفينا، فهلا كنت - أيها الإنسان - قنوعا مثلنا؟

فيا أيها الذين آمنوا إن في الجبال، وفي الأشجار، وفي الأزهار لآيات لقوم يسمعون ويبصرون، قل: جعلني الله نزيها كالورد، وديعا كزهر المسيح، قنوعا كالصنوبر، ثابتا في الملمات كصنين. حديث شريف أسمعنيه الله وإني لحديثه من السامعين وبرسل ربيعه من المؤمنين.

هذا ما اقتطفته من جريدة الفريكة الرسمية لقرائي الأعزاء لقوم يبصرون فيستبصرون، ويسمعون فيؤمنون.

وأما المستحجرة قلوبهم والمتجزوتون

7

فإنهم وإن أنذرتهم لا يؤمنون.

هذا، ولقد طالما تاقت النفس إلى كتابة رسالة شائقة، عربية المعنى والمبنى، أي: عربية الحروف والمفردات والجمل، وعربية الحبر والورق أيضا، إكراما لأسيادي المتنطعين فأطرزها بالتفاسير وأكشكشها بالشروحات، فيقول الناس عند قراءتها: لله دره ما أرسخه في اللغة قدما وما أطوله باعا، ولكني أعجز - والله - عن مثل هذا، وجئت خالطا الآن شيئا يسيرا من عجزي في هذه الحفنة من «البذور»، وأستغفر الله بداية ونهاية في ما قد يعده قرائي الأعزاء وأسيادي الأساتيذ تطفلا، وأسأله تعالى سترا يمتد على تلفيقات ليس لها حد، ولكنها تلفيقات فيها من الحقائق والرقائق ما لا تخفى أسرارها على المؤمنين.

Unknown page